الثاني أنا ننزل على اقتراحه في تقليد النحاة، ثم نقول: لا نسلم أنهم قصدوا الاستغراق الاصطلاحي، لأن العموم الأصولي عبارة عن اللفظ المتناول لكل ما يصلح له بحسب وضع واحد، فإذا قال النحوي: الجنس مستغرق لا يريد هذا المعنى، بل يريد أن موضوع هذا اللفظ مستغرق لأنواعه وأشخاصه، بمعنى أن ذلك المعنى الذي هو الجنس نفسه موجود مع الأنواع والأشخاص، ثم لا حصر لتلك الأشخاص فلا نهاية لكثرته (11) بالقوة إذا المعقول في الماء موجود في أي ماء فرضت، لأن لفظة " ماء " إذا أطلقت دلت على أن المتكلم أراد بها جميع أشخاص ما يندرج تحت موضوعها، فالغلط من هذا الحاكي نشأ من حيث سمع النحوي يقول: الجنس مستغرق فظن أن المراد كون اللفظ الدال على الجنس عند التلفظ به يدل على كل شخص من أشخاص أنواعه، لكن النحوي لو أراد ذلك لكان غالطا (12)، إذ ليس قولك: ضرب وقتل وشتم دالا على ما يدل عليه قولنا: كل قتل ولا كل شتم، وفرق بين عموم الجنس وبين عموم اللفظ الموضوع للجنس، فعموم الجنس عموم معنوي، والأصولي لا يطلق العموم بالحقيقة إلا على الألفاظ دون المعاني. وقد قال المرتضى (قدس الله روحه) في الذريعة: وأما اسم الجنس كقولنا: الذهب والفضة، فإنه لا يجوز أن يراد بهما عموم ولا خصوص، ولا يتصوران في مثله، وإنما يراد محض الجنسية التي تميزت عن غيرها، وكذا العين والرقيق. وقال: لفظ الناس والنساء قد يراد بهما في بعض المواضع المعنى الذي ذكرنا من الجنسية من غير عموم ولا خصوص، وقد يكون في مواضع محتملة للعموم والخصوص (13). ففرق هذا الفاضل بين الجنسية وبين العموم والخصوص، فإذا الجنس عبارة عن الماهية المشتركة بين الأنواع
(١٣٧)