وقالت هند بنت النعمان: " لقد رأيتنا: ونحن من أعز الناس وأشدهم ملكا، ثم لم تغب الشمس حتى رأيتنا: ونحن أقل الناس. وإنه حق على الله: أن لا يملا دارا خيرة، إلا ملاها عبرة ".
وسألها رجل أن تحدثه عن أمرها، فقالت: " أصبحنا ذات صباح: وما في العرب أحد إلا يرجونا، ثم أمسينا: وما في العرب أحد إلا يرحمنا ".
وبكت أختها حرقة بنت النعمان يوما - وهى في عزها - فقيل لها: ما يبكيك؟ لعل أحدا آذاك؟ قالت: لا، ولكن رأيت غضارة في أهلي، وقلما امتلأت دار سرورا، إلا امتلأت حزنا ".
قال إسحق بن طلحة: " دخلت عليها يوما، فقلت لها: كيف رأيت عبرات الملوك؟
فقالت: ما نحن فيه اليوم خير مما كنا فيه بالأمس (1)، إنا نجد في الكتب: أنه ليس من أهل بيت يعيشون في خيرة، إلا سيعقبون بعدها عبرة، وإن الدهر لم يظهر لقوم بيوم يحبونه، إلا بطن لهم بيوم يكرهونه. ثم قالت:
فبينا نسوس الناس: والامر أمرنا * إذا نحن فيهم سوقة نتنصف فأف لدنيا لا يدوم نعيمها: * تقلب تارات بنا، وتصرف ".
ومن علاجها: أن يعلم أن الجزع لا يردها، بل يضاعفها. وهو في الحقيقة من تزايد المرض.
ومن علاجها: أن يعلم أن فوت ثواب الصبر والتسليم - وهو من (2) الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر والاسترجاع - أعظم من المصيبة في الحقيقة.
ومن علاجها: أن يعلم أن الجزع يشمت عدوه، ويسئ صديقه، ويغضب ربه، ويسر شيطانه، ويحبط أجره، ويضعف نفسه. وإذا صبر واحتسب: أقصى شيطانه، ورده خاسئا، وأرضى ربه، وسر صديقه، وساء عدوه، وحمل عن إخوانه، وعزاهم هو