سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه، ولا ليعذبه به، ولا ليجتاحه، وإنما افتقده به: ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه، وليسمع تضرعه وابتهاله، وليراه طريحا ببابه، لائذا بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعا قصص الشكوى إليه.
قال الشيخ عبد القادر: " يا بنى: إن المصيبة ما جاءت لتهلكك، وانما جاءت لتمتحن صبرك وإيمانك، يا بنى: القدر سبع، والسبع لا يأكل الميتة ".
والمقصود: أن المصيبة كير العبد الذي يسبك به حاصله، فإما أن يخرج ذهبا أحمر، وإما أن يخرج خبثا كله. كما قيل:
سبكناه: ونحسبه لجينا، * فأبدى الكير عن خبث الحديد فإن لم ينفعه هذا الكير في الدنيا: فبين يديه الكير الأعظم. فإذا علم العبد أن إدخاله كير الدنيا ومسبكها خير له من ذلك الكير والمسبك، وأنه لا بد من أحد الكيرين - فليعلم قدر نعمة الله عليه في الكير العاجل.
ومن علاجها: أن يعلم أنه لولا محن الدنيا ومصائبها، لأصاب العبد -: من أدواء الكبر والعجب، والقرعنة (؟) وقسوة القلب. - ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا. فمن رحمة أرحم الراحمين: أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب، تكون حمية له من هذه الأدواء، وحفظا لصحة عبوديته، واستفراغا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه. فسبحان من يرحم ببلائه، ويبتلى بنعمائه! كما قيل:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت * ويبتلى الله بعض القوم، بالنعم فلولا أنه سبحانه يداوى عباده بأدوية المحن والابتلاء، لطغوا وبغوا وعتوا. والله سبحانه إذا أراد بعبد خيرا: سقاه دواء - من الابتلاء والامتحان - على قدر حاله، يستفرغ به من الأدواء المهلكة، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه: أهله لاشرف مراتب الدنيا - وهى عبوديتة وأرفع ثواب الآخرة، وهو رؤيته وقربه.
ومن علاجها: أن يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة، يقلبها الله سبحانه