وراء ظهره، ويجئ ربه فردا - كما خلقه أول مرة - بلا أهل ولا مال ولا عشيرة، ولكن بالحسنات والسيئات. فإذا كانت هذه بداية العبد وما خوله ونهايته، فكيف يفرح بموجود، أو يأسى على مفقود! ففكرة العبد (1) في مبدئه ومعاده، من أعظم علاج هذا الداء.
ومن علاجه: أن يعلم علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
قال تعالى: " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم، إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير. لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم، والله لا يحب كل مختال فخور).
ومن علاجه: أن ينظر إلى ما أصيب به، فيجد ربه قد أبقى عليه مثله أو أفضل منه، وادخر له - إن صبر ورضى - ما هو أعظم من فوات تلك (2) المصيبة بأضعاف مضاعفة، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي.
ومن علاجه: أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب، وليعلم أنه في كل واد بنو سعد (3)، ولينظر يمنة، فهل يرى إلا محنة؟ ثم ليعطف يسرة، فهل يرى إلا حسرة؟ (4) وأنه لو فتش العالم: لم ير فيهم إلا مبتلى إما بفوات محبوب، أو حصول مكروه، وأن سرور الدنيا أحلام نوم، أو كظل زائل: إن أضحكت قليلا، أبكت كثيرا، وإن سرت يوما، ساءت دهرا، وإن متعت قليلا، منعت طويلا، وما ملأت دارا خيرة، إلا ملأتها عبرة (5)، ولا سرته بيوم سرور، إلا خبأت له يوم شرور.
قال ابن مسعود - رضي الله عنه: " لكل فرحة ترحة، وما ملئ بيت فرحا، إلا ملئ ترحا ".
وقال ابن سيرين: " ما كان ضحك قط، إلا كان من بعده بكاء ".