فإذا انتهى المرض ووقف وسكن، أخذ في استفراغه واستئصال أسبابه. فإذا أخذ في الانحطاط كان أولى بذلك. ومثال هذا: مثال العدو إذا انتهت قوته، وفرغ سلاحه: كان أخذه سهلا، فإذا ولى وأخذ في الهرب: كان أسهل أخذا. وحدته وشوكته إنما هي في ابتدائه وحال استفراغه، وسعة قوته. فهكذا الداء والدواء سواء.
(فصل) ومن حذق الطبيب: أنه حيث أمكن التدبير بالأسهل (1)، فلا يعدل إلى الأصعب، ويتدرج من الأضعف إلى الأقوى. إلا أن يخاف فوت القوة حينئذ: فيجب أن يبتدئ بالأقوى. ولا يقيم في المعالجة على حال واحدة: فتألفها الطبيعة ويقل انفعالها عنه، ولا تجسر على الأدوية القوية في الفصول القوية. وقد تقدم أنه إذا أمكنه العلاج بالغذاء، فلا يعالج بالدواء. وإذا أشكل عليه المرض: أحار هو؟ أم بارد؟ فلا يقدم حتى يتبين له، ولا يجربه بما يخاف عاقبته. ولا بأس بتجربته بما لا يضر أثره.
وإذا اجتمعت أمراض: بدأ بما تخصه واحدة من ثلاث خصال. (أحدها): أن يكون برء الآخر موقوفا على برئه، كالورم والقرحة. فإنه يبدأ بالورم.
(الثاني): أن يكون أحدهما سببا للآخر، كالسدة والحمى العفنة. فإنه يبدأ بإزالة السبب.
(الثالث): أن يكون أحدهما أهم من الآخر، كالحاد والمزمن. فيبدأ بالحاد. ومع هذا فلا يغفل عن الآخر.
وإذا اجتمع المرض والعرض: بدأ بالمرض، إلا أن يكون العرض أقوى كالقولنج، فيسكن الوجع أولا، ثم يعالج السدة. وإذا أمكنه أن يعتاض عن المعالجة بالاستفراغ بالجوع أو الصوم أو النوم، لم يستفرغه. وكل صحة أراد حفظها، حفظها بالمثل أو الشبه.
وإن أراد نقلها إلى ما هو أفضل منها، نقلها بالضد.