برحمة منا. لذلك أمرناه أن يعفو عنكم ويستغفر لكم ويشاوركم في الأمر. وأن يتوكل علينا إذا عزم (1).
وعلى هذا الأساس شقت الدعوة طريقها وسط الصخور، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعفو عن بعض أفعالهم غير أن هذا العفو لا يشمل موارد الحدود الشرعية وما يناظرها وإلا لغي التشريع. وكان يشاورهم في الأمر، قال ابن كثير:
كان يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث، تطيبا لقلوبهم، ليكون أنشط لهم فيما يفعلونه (2). ولقد شاورهم يوم بدر وفي مواطن كثيرة على امتداد سيرته صلى الله عليه وسلم. ولا يجب أن يفهم من مشاورتهم في الأمر أن هذه المشاورة في أمور عقائدية أو أمور حسمها الوحي. وإنما المشاورة كما نصت الآية * (في الأمر) * أي الأمر الذي يعزمون عليه. والذي يدخل في إطار الأمور العامة التي تجوز فيها المشاورة. وبعد المشاورة إذا عزم الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن من أحبه كان وليا وناصرا له غير خاذله. وكان صلى الله عليه وسلم يشعرهم على امتداد المسيرة، بأنه إنما يفعل ما يؤمر. والله سبحانه عن فعله راض، وهو متوكل على الله. وعليهم أن يتوكلوا عليه لأن الله يحب المتوكلين.
وهكذا ضربت الدعوة وجهة الجحود بالرحمة، وحاصرت جميع الدوائر بالمشورة. وساقت الجميع إلى التوكل على الله. وأمام هذا العطاء كان أصحاب الرقاب الغليظة يعضون على أناملهم من الغيظ لأنهم عجزوا عن اختراق حاجز الرحمة وحاجز المشورة اللذين ينتهيان إلى الله قاصم الجبارين. كانت دوائر الصد تموج بأصحاب المخالب ويرتد فيها صدى قرقعة أنياب الحيتان. وأمام العوائق والمخالب أمر الله تعالى بجهادهم. قال تعالى: * (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم) * (3). أما جهاد الكفار الذين تجاهروا بالكفر وخرجوا للصد عن سبيل الله، ففي قتالهم آيات كثيرة ولهذه الآيات تفسير