المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف يخاطبونه فليس معنى أنه بينهم أو يشاورهم في الأمر اختلاط الأمور وانصهار المكانة. فأرض الدعوة عليها من هو في دائرة الإيمان والإسلام وغير ذلك من دوائر الرجس والقلوب المريضة. وجميع هؤلاء يتحدثون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولأن الحديث مع الأنبياء والرسل يترتب عليه إما الجنة وإما النار أقامت الدعوة جدارا من الرحمة، حتى لا تزل الأقدام وتحبط الأعمال. قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم * يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون * إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله صلى أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) * (1).
قال ابن كثير: أي لا تسرعوا في الأشياء بين يديه، أي قبله. بل كونوا تبعا له في جميع الأمور.. وقال سفيان: لا تقدموا بقول ولا بفعل. وقال الضحاك:
لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم. وقوله * (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) * قال ابن كثير: هذا أدب ثان أدب الله تعالى به المؤمنين أن لا يرفعوا أصواتهم بين النبي صلى الله عليه وسلم فوق صوته. وروي أنها نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، روى البخاري عن أبي مليكة قال: كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم ركب بني تميم.
فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس، أخي بني مجاشع. وأشار الآخر برجل آخر.
فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي. وقال عمر: ما أردت خلافك.
فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم... الآية) * (2) وقوله تعالى: * (أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) *