وسلم. ولم يؤثر كيد النفاق، كما لو يؤثر كيد المشركين من قبل. ولقد حاول النفاق أن يبث ثقافة القعود عن الجهاد، بعد أن نال المسلمين من أعدائهم كل نيل ولكن هذه المحاولة هي الأخرى باءت بالفشل. وبث ثقافة القعود وصلت إلى ذروتها عند التحضير لغزوة تبوك. تلك الغزوة التي حاولوا فيها قتل النبي صلى الله عليه وآله وانتهوا قبلها من تشييد المسجد الضرار. ولقد هدد القرآن الكريم الذين تثاقلوا عن الجهاد وقتئذ بالعذاب الأليم إذ لم ينفروا إلى الله. قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل * ألا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا) * (1).
قال المفسرون: هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال في شدة الحر (2). ومعنى الآية: يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم - لم يصرح باسمه صونا وتعظيما - اخرجوا إلى الجهاد أبطأتم. كأنكم لا تريدون الخروج، أقنعتم بالحياة الدنيا راضين بها من الآخرة. فما متاع الحياة الدنيا بالنسبة إلى الحياة الآخرة إلا قليل (3). ثم هددهم الله تعالى بالعذاب والاستبدال. ولا يضروه شيئا بتوليهم عن الجهاد.
وإذا كانت ملامح النفاق تبدو واضحة على طريق أحد وتبوك، فإن آخر جولاتهم كانت والنبي صلى الله عليه وسلم على فراش المرض. فلقد أمر عليه الصلاة والسلام بأن ينتظم الجيش تحت قيادة أسامة لإنجاز مهمة قتالية، ووضع النبي أكابر الصحابة تحت قيادة أسامة، وأمرهم بالخروج (4). ولكن النفاق مارس مهمته المعتادة يقول ابن حجر في فتح الباري (5): طعن المنافقون