يبين لماذا ومتى وكيف. فمن أراد فليراجعها في مواضعها، أما قتال المنافقين الذين يرتدون جلباب الإسلام ويدخلون مساجده ويرتلون كتابه، فله شأن آخر.
قال ابن كثير في جهاد المنافقين: عن ابن مسعود قال: بيده فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه. وعن ابن عباس قال: باللسان. وعن الحسن وقتادة ومجاهد: مجاهدتهم إقامة الحدود عليهم (1). وقال في الميزان عن جهادهم:
المجاهدة بذل غاية الجهد في مقاومتهم، والجهاد يكون باللسان وباليد حتى ينتهي إلى القتال. وشاع استعمال الجهاد في القرآن في قتال الكفار، لكونهم متجاهرين بالخلاف والشقاق. فأما المنافقون، فهم الذين لا يتظاهرون بكفر ولا يتجاهرون بخلاف. وإنما يبطنون الكفر ويقلبون الأمور كيدا ومكرا. ولا معنى للجهاد معهم بمعنى قتالهم ومحاربتهم.. والمراد بجهادهم - في الآية - مطلق ما تقتضيه المصلحة من بذل الجهد في مقاومتهم. فإن اقتضت المصلحة هجروا ولم يخالطوا ولم يعاشروا وإن اقتضت وعظوا باللسان. وإن اقتضت أخرجوا وشردوا أو قتلوا إذا أخذ عليهم الردة أو غير ذلك. ويشهد لهذا المعنى عن كون المراد بالجهاد في الآية هو: مطلق بذل الجهد. تعقيب قوله تعالى: * (جاهد الكفار والمنافقين) * بقوله: * (واغلظ عليهم) * أي شدد عليهم وعاملهم بالخشونة (2).
وقد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم على امتداد مسيرته بين دوائر الصد في الداخل، وفقا لمصلحة الدعوة. وقول الله تعالى لرسوله في شأن المنافقين:
* (لا تصلي على أحد منهم مات أبدا) * (3) يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعرفهم بأعيانهم وأنه كان يتصرف التصرف الذي يمنع المنافقين من قطع الشوط الكبير في إفساد الأمر. فكان صلى الله عليه وسلم يخرج بعض المنافقين من المسجد على سمع ومرأى من الجميع تارة، وكان يسر بأسماء بعضهم إلى أصحابه تارة. وكان يسر بأسماء البعض الآخر إلى خاصة