أي نهاكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك، فيغضب الله لغضبه فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري. ثم ندب الله تعالى إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك وأرشد إليه ورغب فيه فقال: * (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) * أي أخلصها لها وجعلها أهلا ومحلا (1). وقال في الميزان: * (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * بين يدي الشئ: أمامه. وهو استعمال شائع مجازي أو استعاري. وإضافته إلى الله ورسوله معا، لا إلى الرسول. دليل على أنه أمر مشترك بينه تعالى وبين رسوله.
وهو مقام الحكم الذي يختص بالله سبحانه ورسوله بإذنه كما قال تعالى: * (إن الحكم إلا لله) * (2). وقال: * (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) * (3).
وقوله: * (لا تقدموا) * أي تقديم شئ ما من الحكم. قبال حكم الله ورسوله. إما بالاستباق إلى قول قبل أن يأخذوا القول فيه من الله ورسوله. أو إلى فعل قبل أن يتلقوا الأمر من الله ورسوله.. والمعنى: أن لا تحكموا فيما لله ولرسول فيه حكم. إلا بعد حكم الله ورسوله، أي لا تحكموا إلا لحكم الله ورسوله. ولتكن عليكم سمة الاتباع والاقتفاء. وقوله لا ترفعوا أصواتكم.. " وذلك بأن تكون أصواتهم عند مخاطبته وتكليمه صلى الله عليه وسلم أرفع من صوته وأجهر لأن في ذلك كما قيل شيئين: إما نوع استخفاف به وهو الكفر. وإما إساءة الأدب بالنسبة إلى مقامه. وهو خلال التعظيم والتوقير المأمور به. وقوله: * (ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض) * فإن من التعظيم عند التخاطب أن يكون صوت المتكلم أخفض من صوت مخاطبه. فمطلق الجهر بالخطاب فاقد لمعنى التعظيم. فخطاب العظماء بالجهر فيه، كخطاب عامة الناس لا يخلو من إساءة الأدب وقوله * (أن تحبط أعمالكم..) * أي لئلا تحبط أو كراهة أن تحبط أعمالكم. فظاهر الآية أن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم والجهر له بالقول معصيتان موجبتان للحبط. فيكون من المعاصي غير