بنفسه. فكتاب الدعوة لا يمسه أي عقل. فبما أنه كتاب الله. فلا بد أن يختار الله العقل الذي يمسه لينال منه العلم النافع. فالقرآن الكريم حجة الله على خلقه.
وهو يحتوي على برنامج الفطرة والثواب والعقاب في الدنيا والآخرة. فيه بيان لكل شئ. وجميع الحقائق الموجودة فيه تستند إلى التوحيد. وبما أنه لا يأتيه الباطل ولا يجد إليه طريقا. وبما أنه لا بد أن ينتهي إليه كل رأي ديني. فلا بد أن يكون له عالما يسوق الناس به إلى ربهم. فهو سبحانه مصدر جميع السلطان.
وإليه تنتهي جميع القرارات. وهو مصدر الخلق والتكوين وواهب الحياة ومقوماتها. فكما أن له سبحانه الخلق ولا بداع. كذلك له الأمر والنهي.
وعالم الزيغ هو نفسه عالم الرأي. أو ابنا شرعيا للذين اختاروا أن يكون الكشاف الذي يكشفون به الطريق من صنعهم وبأيديهم. وأنت إذا تتبعت البدع والأهواء والمذاهب الفاسدة. التي انحرف فيها الفرق الإسلامية، عن الحق القويم بعد زمن النبي صلى الله عليه وآله. سواء كان في المعارف أو في الأحكام. وجدت أكثر مواردها من اتباع المتشابه والتأويل في الآيات. بما لا يرتضيه الله سبحانه. ففرقة تتمسك من القرآن بآيات التجسيم. وأخرى للجبر.
وأخرى للتفويض. وأخرى لعترة الأنبياء. وأخرى للتنزيه المحصن بنفي الصفات، وأخرى للتشبيه الخالص وزيادة الصفات، إلى غير ذلك، كل ذلك للأخذ بالمتشابه من غير إرجاعه إلى المحكم الحاكم فيه.
وعلى فروع المتشابه أيضا تسلق المتصوفة وعلماء الكلام. فطائفة ذكرت أن الأحكام الدينية إنما شرعت لتكون طريقا إلى الوصول. فلو كان هناك طريق أقرب منها. كان سلوكه متعينا لمن ركبه. لأن المطلوب هو الوصول بأي طريقة تيسرت. وأخرى قالت: إن التكاليف إنما هي لبلوغ الكمال. ولا معنى لبقائها بعد الكمال بتحقق الوصول. فلا تكليف لكامل (1) وهكذا وغير ذلك كثير. إن الله تعالى الذي أنزل الكتاب هو وحده الذي يحدد من الذي يتعامل مع هذا الكتاب.