الفرصة للقوات المعادية للتقدم وإجراء عمليات الالتفاف والتطويق في المناطق التي أخليت عن طريق الذين استأذنوا أو انسحبوا. وحركة النفاق كان الاستئذان والانسحاب أصل أصيل فيهم، قال تعالى: * (إنما تستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون) * (1). فالمنافق لعدم إيمانه بالله واليوم الآخر يكون فاقدا لصفة التقوى، فخروجه مع المؤمنين يكون من باب النفاق. وعلى امتداد خروجه يتردد في دائرة عريضة مادتها التذبذب والارتياب.
فهو يريد مغنما ما، وفي نفس الوقت لا يريد أن يموت، ثم يأخذ القرار المناسب في الوقت المناسب بما يحقق أمن الفرد وأمن الدائرة.
وفي غزوة أحد، كان مؤسس المسجد الضرار يطوف على جبابرة قريش في مكة لتعبئتهم ضد النبي صلى الله عليه وسلم. وعندما تم حشد القوة الإسلامية وبدأ التوجه إلى أحد، انسحب المنافقون وكانت قواتهم تقدر بثلث الجيش (2) ولم يؤثر فيهم أي موعظة وإلحاح. ويقول تعالى في اعتذارهم يومئذ:
* (وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان) * (3). قال المفسرون: رجع المنافقون أثناء توجه المسلمون إلى أرض المعركة فاتبعهم رجال من المؤمنين يحرضونهم على الإتيان والقتال والمساعدة. فإن لم يكن في سبيل الله فليدفعوا عن أولادهم وحريمهم وأنفسهم. فتعللوا قائلين: لو نعلم أنكم تلقون حربا لجئناكم. ولكن لا تقاتلون قتالا. وقولهم هذا جعلهم من الكفر الصريح أقرب (4). وهذا العمل الذي يلتقي مع عمليات حشد مؤسسي المسجد الضرار في نقطة واحدة، كان أحد الأسباب العاملة لانهزام المسلمين يومئذ. وإذا كانت دائرة النجس قد نسقت بصورة أو بأخرى مع الأطراف في مكة يوم أحد فإنهم نسقوا أيضا مع يهود بني النضير بالمدينة. روي أن بني النضير تآمروا على قتل