ولقد بلغ الإعلام الأموي مداه حتى أن الأمر قد التبس عند العديد من الصحابة فهذا زيد من أرقم يقول لأمير المؤمنين علي، أنشدك الله، أنت قتلت عثمان؟ فأطرق الإمام ساعة ثم قال: والذي فلق الحبة. وبرأ النسمة ما قتلت ولا أمرت بقتله (1). وأمام طوفان الإعلام الأموي خطب الإمام علي في الناس فقال:
لو أمرت به لكنت قاتلا. أو نهيت عنه لكنت ناصرا. غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه. ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني. وأنا جامع لكم أمره. استأثر فأساء الأثرة. وجزعتم فأسأتم الجزع.
ولله حكم واقع في المستأثر والجازع (2). وخلاصة هذا الكلام: أنه فعل ما لا يجوز وفعلتم ما لا يجوز. أما هو فاستأثر فأساء الأثرة. أي استبد بالأمور فأساء في الاستبداد. وأما أنتم فجزعتم مما فعل. أي حزنتم فأسأتم الجزع. لأنكم قتلتموه. وقد كان الواجب عليه أن يرجع عن استئثاره. وكان الواجب عليكم ألا تجعلوا جراءه عما أذنب القتل. بل الخلع والحبس وترتيب غيره في الإمامة. ثم قال: ولله حكم سيحكم به فيه وفيكم (3).
وأما هذه الأحداث طلب منه قوم من أصحابه أن يعاقب من أجلب على عثمان. ولكن من هؤلاء الذين سيعاقبهم الإمام؟ وهناك من مهد ومن أفتى ومن ناصر القتلة ومن خذل المقتول ومن قتل. ولهذا قال الإمام لأصحابه: يا إخوتاه، إني لست أجهل ما تعلمون. ولكن كيف لي بقوة والقوم المجلبون على حد شوكتهم يملكوننا ولا نملكهم!! دهاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم والتفت إليهم أعرابكم (4) (لاحظ أن المجلبين هنا ليسوا في جيش الإمام) وهم خلالكم (5) يسومونكم (6) ما شاؤوا. وهل ترون موضعا لقدرة على شئ تريدونه؟