إن هذا الأمر أمر جاهلية. وإن لهؤلاء القوم مادة. إن الناس من هذا الأمر إذا حرك على أمور: فرقة ترى ما ترون. وفرقة ترى ما لا ترون. وفرقة لا ترى هذا ولا هذا. فاصبروا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها. وتؤخذ الحقوق مسمحة. فأهدأوا عني (1)، وانظروا ماذا يأتيكم به أمري. ولا تفعلوا فعلة تضعضع قوة (2). وتسقط منه (3). وتورث وهنا (4) وذلة. وسأمسك الأمر ما استمسك وإذا لم أجد بدا فآخر الدواء الكي (5). قال ابن أبي الحديد: واعلم أن هذا الكلام يدل على أنه كان في نفسه عقاب الذين حصروا عثمان والاقتصاص ممن قتله. ولهذا قال: إني لست أجهل ما تعلمون. فاعترف بأنه عالم بوجوب ذلك. واعتذر بعدم التمكن كما ينبغي. وصدق في ذلك. فإن أكثر أهل المدينة أجلبوا عليه... ولا يأمن لو شرع في عقوبة الناس والقبض عليهم. من تجدد فتنة أخرى كالأولى وأعظم. فكان الأصوب في التدبير. والذي يوجبه الشرع والعقل. الامساك إلى حين سكون الفتنة... وكان يأمل أن يطيعه معاوية وغيره وأن يحضر بنو عثمان عنده يطالبون بدم أبيهم. ويعينون قوما بأعيانهم. بعضهم للقتل. وبعضهم للحصار. وبعضهم للتشور. كما جرت عادة المتظلمين إلى الإمام والقاضي. فحينئذ يتمكن من العمل بحكم الله تعالى. ولكن الأمر لم يقع على هذا النحو. وعصى معاوية وأهل الشام. والتجأ ورثة عثمان إليه. وفارقوا أمير المؤمنين. ولم يطلبوا القصاص طلبا شرعيا. وإنما طلبوه مغالبة. وجعلها معاوية عصبية جاهلية. ولم يأت أحد منهم الأمر من بابه. وقد قال أمير المؤمنين لمعاوية فيما بعد: (فأما طلبك قتلة عثمان فادخل في الطاعة. وحاكم القوم إلي أحملك وإياهم على كتاب الله وسنة رسوله... وهذا عين الحق. ومحض الصواب لأنه يجب دخول الناس في طاعة الإمام ثم تقع المحاكمة
(٥٠٠)