قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. ولكن هذا الصدق لا بد وأن يشع عند هدفه ليكون على الناس حجة، لأن ما من شئ إلا من أجل هدف ومن وراء هذا الهدف حكمة. وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر أبا ذر فقال له:
" ويحك بعدي إذا رأيت البناء قد علا سلعا، فالحق بالمغرب أرض قضاعة، فإنه سيأتي عليكم يوم قاب قوسين، أو رمح أو رمحين من كذا وكذا (1). وذكر لأبي ذر أحداث وأحداث وقال له: " يا أبا ذر كيف أنت عند ولاه - وفي رواية: كيف أنت وأئمة من بعدي!! - يستأثرون عليك بهذا الفئ؟ قال أبو ذر: والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي فأضرب به حتى ألحقك: قال: أفلا أدلك على خير لك من ذلك تصبر حتى تلقاني (2).
وأمر النبي صلى الله عليه وآله بالصبر هو من نسيج أمره لأمير المؤمنين علي بأن لا ينازع، لأن المقام مقام إقامة الحجة. وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل يقرأ هذه الآية: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا...) * حتى فرغ من الآية ثم قال: يا أبا ذر كيف تصنع إن أخرجت من المدينة؟ قال قلت:
إلى السعة والدعة أنطلق حتى أكون من حمام مكة. قال: كيف تصنع إن أخرجت من مكة؟ قال قلت: إلى السعة والدعة إلى الشام والأرض المقدسة. فقال:
وكيف تصنع إن أخرجت من الشام؟ قال قلت: إذا والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي. قال: أو خير من ذلك قال قلت: أو خير من ذلك. قال:
تسمع وتطيع وإن كان عبدا حبشيا (3) - وفي رواية - ألا أدلك على خير من ذلك تنقاد لهم حيث قادوك وتنساق لهم حيث ساقوك حتى تلقاني وأنت على ذلك (4). وليس معنى أن يسمع ويطيع أن يجاريهم في سياستهم، لأن خروجه لن يكون عندئذ له معنى وستكون علامة الصدق معطلة في حالة سمعه وطاعته