عن علي. وهذا الشرط أن يبايعه على سيرة أو فعل أبي بكر وعمر. وفي المدينة أمراء عمر معاوية وعمرو والمغيرة وغيرهم، كأمثال ابن أبي السرح وأبي سفيان وبني مخزوم وهؤلاء انتعشوا بالفتوحات والخراج. والإمام ما كان له أن يقبل هذا الشرط وذلك أن أبا بكر وعمر اختلفا في سيرة كل منهما للآخر. وعلى سبيل المثال أبو بكر نص على خلافة عمر، بينما عمر جعلها شورى في ستة نفر، وأبو بكر رأى أن يقاتل الذين امتنعوا عن دفع الزكاة، وعمر كان له رأي غير هذا.
وأبو بكر كان يرى أن خالد بن الوليد متأول في قتل مالك بن نويرة، وعمر كان يرى غير ذلك. وأبو بكر كتب لنفر من المؤلفة قلوبهم بحقوقهم، وعمر مزق كتاب أبي بكر لأن له رأيا آخر. فهذا وغيره يستقيم مع قول الإمام " أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي " ولكن التيارات الموجودة بالمدينة حينئذ كانت تعلم أن زهد علي لن يدفع بالخراج إلى أيديهم، وكانوا يعلمون أن عمر كان مجتهدا يعمل بالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة، ويرى تخصيص عموميات النص بالآراء وبالاستنباط من أصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصوص، وكانوا يعلمون أن عمر قد عارك السياسة وكاد خصمه وأمراء الأمراء بالكيد والحيلة وكان يؤدب بالدرة والسوط من يتغلب على ظنه أنه يستوجب ذلك، ويصفح عن آخرين قد اقترفوا ما يستحقون به التأديب. كل ذلك بقوة اجتهاده وما يؤديه إليه نظره. أما علي بن أبي طالب فهو على خلاف ذلك - كان يقف مع النصوص والظواهر ولا يتعداها إلى الاجتهاد والأقيسة ويطبق أمور الدنيا على أمور الدين، ويسوق الكل سياقا واحدا ولا يضع ولا يرفع إلا بالكتاب والنص.
لقد عرفوا هذا من علي بن أبي طالب على الرغم من أنه لم يجلس على كرسي يأمرهم به وينهاهم. كانوا يعلمون أن عمر شديد الغلظة والسياسة، ويعلمون أن عليا كثير الحلم والصفح والتجاوز، ولكن المصلحة كانت في سياسة عمر، والخوف كان من حلم علي، لأن دائرة الذهن عند جميع تيارات الصد تخاف من يوم، وهذا اليوم ليس من دائرة الغلظة والشدة، وإنما من دائرة خاصف النعل حيث الحلم والصفح والتجاوز والضرب في الله. وعلى هذا يمكن