فالبذرة التي وضعها عمر تحت عنوان الخراج، جعلت العيون تتطلع إلى أموال الدولة حيث كانت وكل فرد يأخذ منها حجم الخدمة التي يؤديها للنظام.
فمنهم من يأخذ دراهم، ومنهم من يأخذ دارا أو خادما، ومنهم من يأخذ أرضا أو ضياعا. ووفقا لثروة الدولة نتيجة للفتوحات، كان الفاروق يختار الأمراء وقادة الجند من قبائل مختلفة، فإذا وجد المال والأمير المخلص ضمنت الدولة عدم حدوث أي تمرد من أي قبيلة، لهذا لا نستغرب تعيين المنافقين في الدولة العمرية، ولا نستغرب تعيين أبي زبيد النصراني لأنه مدخل إلى بني تغلب، ولا إياس بن صبيح الذي كان من أصحاب مسيلمة لأنه مدخل إلى بني حنيفة رافعة لواء التمرد، ولا طلحة بن خويلد الذي ادعى النبوة لأنه مدخل إلى قبيلته حتى لا تثور، إلى غير ذلك من قبائل العرب، فبيت المال هو في حقيقة الأمر الحافظ للنظام، ولكنه في عهد عثمان كان في حقيقة الأمر المدمر للنظام. وذلك لأن الأغلبية العظمى من الأمراء الذين اختارهم عمر لم يكونوا من الطامعين في الخلافة، أما الأغلبية العظمى التي استعملها عثمان كانت تطمع في الخلافة، والغالبية العظمى في قريش كانت قد ملت عمر لأنه لم يسمح لهم بالخروج.
وفي عهد عثمان انطلقوا فخالطوا الناس وجرى في أيديهم الذهب، وحببوا للناس الإمارة كما أحبوا الملك والرئاسة. واتسعت الطبقة الأرستقراطية القرشية وازدادت قائمة النبلاء، وأمام هذا الاتساع ظهرت الحركات المضادة التي تئن تحت العمامة الأموية. وعندئذ يقف عثمان ويقول: يا أيها الناس إن أبا بكر وعمر كانا يتأولان في هذا المال ظلف أنفسهما وذوي أرحامهما، وإني تأولت فيه صلة رحمي " (1). ولكي يضع عثمان على قراره عباءة القداسة نراه يقول لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " نشدتك الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤثر قريشا على سائر الناس ويؤثر بني هاشم على سائر قريش.
فسكت القوم. فقال: لو أن يبدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى