المدينة، فقال: بين يدي عقبة كؤود إن نجوت منها لا يضرني ما قلت، وأن أقع فيها فأنا شر مما تقول (1). وعند خروج أبي ذر ودعه الإمام علي بن أبي طالب وقال له: يا أبا ذر إنك غضبت لله فأرج من غضبت له، إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه، واهرب منهم بما خفتهم عليه، فما أحوجهم إلى ما منعتهم وما أغناك عما منعوك وستعلم من الرابح غدا والأكثر حسدا، ولو أن السماوات والأرضين كانتا على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجا، ولا يؤنسك إلا الحق ولا يوحشك إلا الباطل، فلو قبلت دنياهم لأحبوك ولو قرضت منها لأمنوك (2) وتوفي أبو ذر بالربذة، وروى البلاذري أنه لما بلغ عثمان موت أبي ذر قال: رحمه الله، فقال عمار: نعم فرحمه الله من كل أنفسنا، فقال عثمان: يا عاص أبر أبيه أتراني ندمت على تسييره، وأمر فدفع قفاه وعندما تدخل المهاجرون تركه (3). وهكذا أقيمت الحجة على أصحاب الخواتم الذهبية والضياع الفاخرة والأراضي الواسعة لعلهم أن يرتبوا أوراقهم من جديد على طريق الدعوة. وإذا كان أبو ذر قد لفت الأنظار إلى أمراء بني أمية الذين يسلكون طريقا يتخذون فيه دين الله دخلا، فإن عبادة بن الصامت أعلن احتجاجه هو أيضا على أصحاب هذه الدائرة ويعلن لا طاعة لمن عصى الله. وكان عبادة يومئذ بالشام، وروي أن معاوية كتب إلى عثمان أن عبادة بن الصامت قد أفسد علي الشام وأهله فإما أم تكفف عني عبادة، وإما أن أخلي بينه وبين الشام، فكتب إليه عثمان: أن رحل عبادة حتى ترجعه إلى داره بالمدينة، فبعث بعبادة حتى قدم إلى المدينة، فدخل على عثمان في الدار فالتفت إليه فقال: يا عبادة بن الصامت ما لنا وما لك، فقام عبادة بين ظهراني الناس فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون،
(٤١٤)