والمراد بعن أيمانهم وعن شمائلهم، قال المفسرون: عن أيمانهم: أي أشبه عليهم أمر دينهم (1). وقيل: اليمين هو الجانب القوي الميمون من الإنسان، أي الدين. وإتيانه من جانب الدين، أن يزين لهم المبالغة في بعض الأمور الدينية والتكاليف بما لم يأمرهم الله.. وعلى هذا جاء فقه المبالغة والتنطع والمنفرين، الذين يدعون أنهم يعلمون كل شئ وهم لا يعلمون أي شئ. وعلى أكتافهم تتآكل الشرائع ويتراجع الدين، إن غلاف فقه المنفرين والمتنطعين والذين يتخذون الزهد والرهبنة طريقا ليأكلوا به أموال الناس بالباطل، غلاف يحمل ملامح دينية. أما محتواه فقد خطه أصحاب القضايا الرديئة، التي لا تصلح إلا لعالم اللا دعوة واللا هدف * (وعن شمائلهم)، قال المفسرون: اشتهى لهم السيئات والمعاصي. وقيل: عن شمائلهم أي تأصيل الفحشاء والمنكر والدفاع عن اقتراف الذنوب بجعل الأهواء قانونا لهم.. وأمام هذا الفقه تقهقر اليمين وتقدم الشمال تحت لافتة تنادي بحقوق الإنسان، فالعنوان له ملامح طيبة " حقوق الإنسان " أما المحتوى فلا وجود فيه لإنسان الفطرة، إلا من رحم الله.
والمنهج الشيطاني لم يكتف بمحاصرة الإنسان من جهاته الأربع، وإنما خطط من أجل أن يجمع أتباعه تحت ثقافة واحدة، هي ثقافة الأهواء رغم تفرق سبلهم، وهذه الثقافة يعزفها الشيطان الرجيم على الجميع. أخبر الله تعالى بأنه قال: * (أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا) * (2). قال المفسرون: يقال، حنك الدابة بحبلها، إذا جعل في حنكها الأسفل حبلا يقودها به. والمعنى: أقسم لئن أخرتني إلى يوم القيامة، وهو مدة مكث بني آدم في الأرض، لألجمن ذريته إلا قليلا، أتسلط عليهم تسلط راكب الدابة الملجم لها عليها، يطيعونني فيما آمرهم، ويتوجهون إلى حيث أشير لهم، من غير أي عصيان وجماح. إن الاحتناك فقه لتلجيم العقول وتكميم الأفواه