وتعصيب العيون، عن كل حق أو حقيقة. إن الاحتناك قانون يضرب بسياطه الغوغاء والرعاع والديهماء.
وفي عالم الاحتناك تتلقى الدواب أوامر الضلال والأماني وتغيير خلق الله، بدون اعتراض وبلا أدنى تفكير. قال تعالى وهو يخبر في كتابه عن خطة الشيطان * (وقال لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا * ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) * (1). قال المفسرون: * (ولأضلنهم) * أي عن طريق الحق، * (ولأمنينهم) * أي أزين لهم ترك التوبة * (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام) * يعني بشق آذانها، * (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) * يعني دين الله (2).
والمعنى: أي لأضلنهم بالاشتغال بعبادة غير الله، واقتراف المعاصي، ولأغرينهم بالأماني التي تصرفهم عن الاشتغال بواجب شأنهم وما يهمهم من أمرهم، ولآمرنهم بشق آذان الأنعام وتحريم ما أحل الله، ولآمرنهم بتغيير خلق الله.
وينطبق على مثل الإخصاء وأنواع المثلة واللواط والسحاق. وقيل: المراد بتغيير خلق الله، الخروج عن حكم الفطرة، وترك الدين الحنيف. قال تعالى: * (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) * (3). والخروج على حكم الفطرة، غير تبديل الفطرة. فالفطرة لا تبدل لأنها حجة بذاتها على الإنسان.
وهكذا قطع البرنامج الشيطاني الطريق على الرسل والفطرة والدعوة، والله غالب على أمره. لقد طلب الشيطان الامهال إلى يوم الوقت المعلوم، فأعطاه الله ذلك، وتوعد ذرية آدم بالإغواء والتزيين والاحتناك وغير ذلك. ولأن برنامجه لا يقصده إلا شر الدواب عنه الله، زاده الله فقال له تعالى: * (اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا * واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان