الهبوط، ليكون من الصاغرين أهل الهوان. ولم يترك الشيطان منزلة الهبوط دون استغلالها فقال: * (رب فأنظرني إلى يوم يبعثون) (1) لم يقل: رب انظرني إلى يوم يموت آدم، بل ذكر آدم وبنيه. فقال له سبحانه: * (إنك من المنظرين) * (2). وفي هذا النص دلالة على أن هناك منظرين غيره، منهم ملائكة ومنهم بشر، أخبرت عنهم السنة النبوية الشريفة (3).
وفي منزلة الهبوط صاغ الشيطان فقه الاغواء والتزيين، الذي به يخترق الكيان الإنساني وعليه تتعدد الأهواء * (قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين. * إلا عبادك منهم المخلصين) (4)، لقد اختار مساحة الزينة والزينة الحق جعلها الله لعباده كي يسوقهم التفكير فيها إلى العبادة الحق. قال تعالى: * (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب) * (5)، فأقام الشيطان له خيمة في اتجاه هذه الزينة، وهذه الخيمة بثت ثقافة ألوهية الكواكب والنجوم. تلك الألوهية التي اعترض عليها هد هد كان يحتفظ بفطرته التي فطره الله عليها. فعند ما ذهب هذا الطائر إلى مملكة سبأ، وجدهم يعبدون الشمس من دون الله، فعلم وهو الطائر أن هناك زينة أخرى غريبة، قد أدخلت على الزينة الحق التي تدعو إلى العبادة الحق.
فقال سليمان عليه السلام وهو يتحدث عن ملكة سبأ * (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون) (6) لقد وقعوا على الزينة المحرمة، وهم المجهزون بالفطرة، والفطرة نعمة والاختيار الخطأ يترتب على امتداده كفران النعمة. والسنة الإلهية عند كفران النعمة، تسلب نعمة الهداية. وفي عالم اللاهداية تعشق الأسماع والأبصار