ونعود لنضع في الميزان ما نزل باليهود من عسف واضطهاد، فنقرر أنه نزل بالعرب أضعاف أضعاف هذا العدوان، أنزله بهم ظلما الصليبيون والمغول والعثمانيون والفرنسيون والإنجليز والطليان، ولكن العرب لم يعرفوا الصراخ ولم يتخذوه وسيلة لاستدرار العطف، فبدا اليهود للناس منكوبين يستحقون العون، وتنوسى ما نزل بالعرب من نكبات وبلايا.
في الطريق إلى العودة:
أوضحنا أن وضع اليهود في البلاد التي نزلوا بها كان وضعا قلقا، إذ كانوا يكونون طبقة خاصة منعزلة عن باقي الطبقات ومعادية لها، ومع هذا فقد أتيح للكثيرين منهم ثراء عريض بسبب تعاونهم مع بعضهم البعض وانتهازهم الفرص وبراعتهم في الشؤون الاقتصادية، حتى سماهم Rene Sedillot:
ملوك المال وسادة البنوك في العالم الذين لم يخضعوا قط للقانون في شؤون الربا وشئون التجارة (1)، وترتب على هذا الثراء أن انصرف بعضهم عن التفكير في فلسطين والعودة إليها، ولكن البعض الآخر وجد في فلسطين الملجأ الذي يحميه من الاضطهاد والقلق، فأصبحت فلسطين لهؤلاء أغنية يتغنون بها وأملا يتطلعون إليه، ومن هؤلاء لورد بيرون الذي خلد تشريد بني إسرائيل في أغانيه العبرية إذ قال: إن للحمامة البيضاء عشا صغيرا، وللثعلب وكرا، ولكل إنسان وطنه، ولا وطن لليهود. وجاء دزرائيلي فحدب على قضية اليهود في روايته دافيد أكروا، وجعل بطلها يقول: تساليني عن أعز أمنية عندي،