الكهنة والقرابين تحدثنا عن الأنبياء في الفكر اليهودي، وذكرنا أنهم طبقة ظهرت بين اليهود وادعت الوحي والنبوة، وقال كل منهم إنه تلقى كلمة الرب، وذكرنا تنديد بعضهم ببعض، ورمى بعضهم بعضا بالكذب والشعوذة، ونرانا هنا - ونحن نتحدث عن الكهنة - في حاجة إلى أن نوضح الصلة بين الأنبياء والكهنة، فهؤلاء وأولئك يدعون الوحي ويقدمون النصح، ولكن كان هناك فرق واضح بين هؤلاء وأولئك، فقد ظل الأنبياء بعيدين عن المعابد والخطط الدينية الرسمية، غير مرتبطين بتقاليد، وكان جل اتجاههم أن ينعوا على الأغنياء غناهم، فأصبحوا كما يقول Wells الناصحين غير الرسميين للناس في الشؤون العامة والناعين عليهم الخطايا والتصرفات الغريبة (1)، وكانت تظهر أهمية الأنبياء مع كثرة المصائب والأهوال التي كانت تنزل ببني إسرائيل، ولم تكن أعمال الأنبياء ذات صلة بالهيكل أو القرابين، ولم تكن أحد يعين الأنبياء، ولا كانوا يختارون من سبط محدد، ولم تكن هنا كتقاليد يمرون بها ليصلوا للنبوة، وهم في كل هذا يخالفون الكهنة، وكثيرا ما كانوا يهاجمون الكهنة، وأحيانا كانوا ينتقدون الملوك وينعون عليهم الترف والملاذ، وكان الكهنة يحقدون عليهم تدخلهم في الشؤون الدينية، وأنهم يدعون أنهم يوحى إليهم، إذ كان الكهنة يحاولون أن تكون لهم وحدهم هذه المواقف، وليس الخلاف الذي حدث بين عيسى وكهنة الهيكل إلا حلقة من حلقات خلافات مماثلة بين الأنبياء والكهنة.
ونجئ الآن إلى الكهنة لنقرر أنهم كانوا من أبناء ليفي أحد أبناء يعقوب، وما كان من الممكن أن يكونوا من غير هذا الفرع، وللوصول إلى الكهنوتية،