علم مقارنة الأديان: نشأته وتطوره:
من مفاخر المسلمين أنهم هم الذين ابتكروا علم مقارنة الأديان، وسنرى أن مفكري الغرب يعترفون بذلك، ومن الطبيعي أن هذا العلم لم يظهر قبل الإسلام، لأن الأديان قبل الإسلام لم يعترف أي منها بالأديان الأخرى، وكان كل دين يعد ما سواه من الأديان والأفكار هرطقة وضلالا، وحسبك أن تتذكر موقف اليهودية من المسيحية ومن المسيح، وبالتالي موقف المسيحية من اليهودية واليهود، فاليهودية لم تعترف بالمسيحية ولا بالمسيح واعتبر المسيح ثائرا استحق عندهم الحكم بالاعدام، والمسيحية اعتبرت نفسها وريثة اليهودية ولم تر مع وجودها لليهودية وجودا. ومثل ذلك موقف الهندوسية من البوذية والبوذية من الهندوسية، ومثله موقف المسيحية من الإسلام بالأندلس.
بل وصل الأمر إلى أكثر من ذلك، إذ أنكرت كل طائفة مسيحية جميع الطوائف الأخرى وعدت اتجاهاتها هرطقة وضلالا، وربما حكمت كل منها بالاعدام على أتباع سواها، وحسبك أن تتذكر مذبحة باريس التي حدثت في 24 أغسطس سنة 1572 حيث سطا الكاثوليك على ضيوفهم البروتستانت فذبحوهم وهم نيام، وأصبحت باريس وشوارعها تجري بدماء الضحايا، وراح البابا يهنئ ملك فرنسا بهذا التصرف.
وهذا الاتجاه كان هو الاتجاه العام بين الأديان وبين المذهب.
ومن هنا لم يوجد علم مقارنة الأديان، لأن المقارنة نتيجة للتعدد وليس التعدد معترفا به عند أحد.
وجاء الإسلام، وكان موقفه بالنسبة للأديان الأخرى ينضوي تحت اتجاهين، الناحية النظرية، والناحية الواقعية:
فمن الناحية النظرية يعلن الإسلام أنه الحلقة الأخيرة في سلسلة الأديان،