وعاشوا بين الأمم تلاحقهم العزلة التي تكلمنا عنها من قبل، والتي كانت من أبرز خصائصهم، فأصبحوا ضيوفا ولكنهم كانوا ضيوفا ثقلاء، وما بالك بضيف يرى نفسه أرقى عنصرا من المضيف وبغريب يفضل نفسه على صاحب الدار؟
ونقطة مهمة أخرى برزت في عصر التشرد، تلك أنهم وقد فقدوا وطنهم - حقدوا على كل من له وطن، وكرهوا الأوطان والمواطنين.
ولست أدري هل نستطيع ونحن في بحث علمي أن نلجأ إلى الأدب ليشرح لنا هذه النقطة، هناك قصية رقيقة للمرحوم أحمد شوقي يصف فيها عصفورتين هزيلتين وقفتا على غصن جاف بالجزيرة العربية، فمر عليهما نسيم عليل وفد من اليمن، فتوقف النسيم وتحدث للعصفورتين، فوصف لهما الزرع والحب والماء باليمن، وأغراهما بأن يركباه ليأخذهما إلى الرياض هناك، ولكن العصفورتين ثارتا على النسيم ووصفتاه بأنه لكثرة تنقله لا يعرف حلاوة الأوطان، وأنه يغريهما بالتمرد على الوطن ليكونا مثله بدون وطن. واختتم شوقي مقطوعته بقوله عن لسان الصعفورتين:
يا ريح أنت ابن السبيل * ما عرفت ما السكن هب جنة الخلد اليمن * لا شئ يعدل الوطن وهكذا كان اليهود أعداء لكل الأوطان ولكل من لهم أوطان، وكأنما كان لسان حالهم يهتف:
لماذا فقدنا - دون الناس - وطننا؟