ولما أقبل الملك عليها ورأى ما بها من لوعة وأسى، حاول أن يخفف من حزنها ويؤنس وحشتها، ويزيل اكتئابها، فجفلت، وأحس الملك اضطرابا في نفسه ووجيبا في قلبه فابتعد عنها حتى تمالك قواه، ثم أراد أن يعيد الكرة فعاد اضطرابه وخوفه، فتركها وآوى إلى فراشه واستسلم للنوم، ورأى في نومه رؤيا استبان بها الحق، وعرف أن لها زوجا، وأحس بلزوم أن يعيدها له دون أن يمسها بسوء. فلما أفاق من نومه أطلق سراحها ووهبها (هاجر) خادمة لها، كما وهبها بعض المال والماشية.
فهل ترى محنة أشد وفتنة أعظم من ذلك؟ رجل غريب يفد إلى بلد سعيا وراء الرزق فتسلب منه زوجه: ويفرق بينه وبين أهله، ولكن الذي نجى إبراهيم من حر النار وسعيرها حفظه من وسمة العار ونجاه من العدوان.
ذلك هو الفكر الإسلامي تجاه هذه القصة، فماذا يقول عنها اليهود؟ إن الإجابة عن هذا السؤال سترد في الباب الثالث من هذا الكتاب.
ابنا إبراهيم، وقد رزق بهما بعد أن بلغ من الكبر عتيا، فقد كانت سارة عقيما لا تلد، وكان يحزنها أن ترى بعلها الوفي يتطلع إلى النسل وقد أصبحت هي بأمتها (هاجر) التي قدمها لها حاكم مصر، وتمنت سارة أن تنجب (هاجر) طفلا تقر به عين أبيه ونشرح له نفس سارة، فانصاع إبراهيم لرأيها ودخل بهاجر.
أنجبت هاجر غلاما زكيا هو إسماعيل، فانتعشت له نفس إبراهيم، ولعل سارة قد شاركت إبراهيم في سروره حينا، وشايعته زمنا في بهجته، ولكن الغيرة لم تلبث أن دبت إلى قلبها، وعقدت عليها الكآبة سحابة مطبقة، فأصبحت لا تطيق النظر إلى الغلام. ولا تحتمل رؤية هاجر، وطلبت من إبراهيم أن يبعد