الآخرة والبعث تهتم اليهودية بالأعمال ولا تعنى بالإيمان، وهي في جوهرها أسلوب حياة لا عقيدة تعتقد، وهي في هذا تختلف عن المسيحية التي تعنى بالإيمان وتجعله يفوق العمل الصالح، فالاتجاه الخلقي عند اليهود في التصرفات اليومية أهم من الاعتقاد السليم (1)، وتختلف اليهودية عن المسيحية كذلك في مجال تفكيرها، فمجال اليهودية ليس فيما وراء هذا العالم، ذلك الذي لن يقدر الإنسان العائش هنا على الأرض أن يدركه، وإنما مجالها الأوحد هو هذا العالم الحاضر (2)، وفي دائرة المعارف العبرية يقرر كوهلر أن اليهودية ليست عقيدة أو نظاما من العقائد يتوقف على قبولها الفداء أو الخلاص في المستقبل، ولكنها نظام للسلوك البشري، وناموس البر الذي يتحتم على الإنسان اتباعه (3)، ويقرر الفكر اليهودي بناء على ذلك، أن الجزاء يكون حسب الأعمال لا حسب الاعتقاد (أشهد السماوات والأرض على أنه سواء كان المرء يهوديا أم وثنيا، رجلا أم امرأة، حرا أم مقيدا، فإنه سينعم بالجزاء حسب أعماله دون سواها) (4).
ولما كانت اليهودية دين أعمال لا دين إيمان، فمن الواضح تبعا لذلك ألا تتكلم عن الآخرة والبعث والحساب، فتلك أمور تتوقف على العقيدة، ولهذا فقلما يشير اليهود إلى حياة أخرى بعد الموت، ولم يرد في دينهم شئ عن الخلود، وكان الثواب والعقاب يتم في الحياة الدنيا، ولم تدر فكرة البعث في خلد اليهود، إلا بعد أن فقدوا الرجاء في أن يكون لهم سلطان في