وهذه الأخبار وأضعافها مما رواه ابن أبي الحديد عن الثقاة عنده، وسيأتي أيضا جملة أخرى منها إن شاء الله تعالى كلها دالة بأوضح دلالة على أن عليا (عليه السلام) رغب في الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وطلبها وطلبها له جماعة من أعيان الصحابة وحضروا ليبايعوه وجمعوا السلاح لولا أنهم عوجلوا وغلب على أمرهم، وأنه (عليه السلام) نازع في خلافة أبي بكر أشد المنازعة وجرد أصحابه السيف بأمره لقتال أتباعه، واستنجد الناس عليه ودعاهم إلى حربه وإعانته على ذلك فاطمة بنت رسول الله (صلوات الله عليها) فلم يجد منجدا ولا معينا، وأنه غير راض بخلافة أبي بكر ومصرحة بذلك أتم تصريح وأنه ما سكت وكف، بل غلب وقهر وأخرج ملببا وأوعد بإحراق منزله وهو بيت النبوة، وواضحة في أنه (عليه السلام) ما غمد السيف وترك المناهضة لأبي بكر واتباعه إلا بعد أن تحقق عنده عدم الناصر له، فهو سكوت عن اضطرار لا عن رضا واختيار، ولو لم توجد هذه الأخبار وأمثالها الدالة على ما ذكرناه لكان في قوله (عليه السلام) المشهور عنه في خطبة النهج (فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت واغضيت على القذى وشربت على الشجى وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمر من طعم العلقم) (1) كفاية في الدلالة على أن علة سكوته وكفه عن جهادهم فقده الناصر والمعين وليس عن رضا نفس، وأنه تجرع في صبره عن ذلك ما هو أمر من العلقم فمن يقول هذا القول وأشباهه وهو كثير كيف يعقل أنه كف عن رضا وسكت عن اختيار؟ ما هذا إلا تجاهل وتغافل؟ وقد وضح من هذه الأخبار بطلان ما قاله ابن أبي الحديد أن عليا (عليه السلام) ما نازع الثلاثة ولا طلب في أيامهم الخلافة واقض عجبا منه ومن أغاليظه حيث يروي هذه الأخبار
(٢٠١)