وأخرج الخطيب عن علي بن جرير، قال: كنت في الكوفة فقدمت البصرة وبها ابن المبارك، فقال لي: كيف تركت الناس؟ قال: قلت: تركت بالكوفة قوما يزعمون أن أبا حنيفة أعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: كفر. قلت: اتخذوك في الكفر إماما. قال: فبكى حتى ابتلت لحيته، يعني أنه حدث عنه.
وعنه أيضا قال: قدمت على ابن المبارك، فقال له رجل: إن رجلين تماريا عندنا في مسألة، فقال أحدهما: قال أبو حنيفة. وقال الآخر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: كان أبو حنيفة أعلم بالقضاء (1).
هذا غيض من فيض من الآثار المذمومة للتعصب للمذاهب، نسأل الله أن يأخذ بيد جميع المسلمين إلى رضاه، إنه قريب مجيب.
المسلم غير ملزم باتباع أحد المذاهب الأربعة:
هذا وقد ذكر بعض علماء أهل السنة في كتبهم ما يضئ الدرب أمام من التزم باتباع مذهب معين، فشددوا في الإرشاد، وأبلغوا في النصح، لعل شيئا منها يجد أذنا صاغية أو قلبا واعيا.
وإليك بعض كلماتهم:
قال ابن عبد البر: يقال لمن قال بالتقليد: لم قلت به وخالفت السلف في ذلك، فإنهم لم يقلدوا؟
فإن قال: قلدت لأن كتاب الله جل وعز لا علم لي بتأويله، وسنة رسوله لم أحصها، والذي قلدته قد علم ذلك، فقلدت من هو أعلم مني.
قيل له: أما العلماء إذا اجتمعوا على شئ من تأويل الكتاب، أو حكاية سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو اجتمع رأيهم على شئ فهو الحق، لا شك فيه، ولكن اختلفوا فيما قلدت فيه بعضهم دون بعض، فما حجتك في تقليد بعض دون بعض، وكلهم عالم، ولعل الذي رغبت عن قوله أعلم من