إلا أنه لا يكون إماما بمجرد كونه أهلا للإمامة، وذلك لأن علماء أهل السنة أنفسهم اعتبروا أيضا في إمام المسلمين أن يبايعه أهل الحل والعقد، أو يكون مبسوط اليد على بلاد المسلمين متسلطا عليها، ولأجل ذلك عدوا معاوية مثلا من الخلفاء الاثني عشر الذين بشر بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما مر مفصلا، ولم يعدوا منهم من هو خير منه من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار المعاصرين له الذين لم تكن لهم إمرة، كما لم يعدوا منهم غيرهم ممن وصفوهم بأنهم من المبشرين بالجنة، كسعد بن أبي وقاص مثلا.
بل لم يعدوا من الخلفاء الاثني عشر علماء الصحابة كابن عباس وابن مسعود وغيرهما، للسبب الذي ذكرناه.
محاولة رابعة وردها:
فإن قالوا: إنا نسلم أن أهل السنة تركوا القيام بهذا الفرض فلم يبايعوا إماما في هذا العصر ولا في العصور المتقدمة التي تلت عصر الخلافة، لكن لا تلزم المعصية والضلالة والموت ميتة جاهلية، وذلك إنما يلزم لو تركوه عن قدرة واختيار لا عن عجز واضطرار (1).
فالجواب:
1 - أنا لا نسلم أن أهل السنة عاجزون عن بيعة إمام لهم في هذا العصر، لأن البيعة هي نوع من إظهار الطاعة للحاكم، وهذا مقدور عليه، ويمكن لعلماء أهل السنة أن يرشدوا العوام في جميع البلاد إلى مبايعة من يرونه الأصلح للإمامة من حكام المسلمين أو من غيرهم.
وخوفهم من سخط حكام بلادهم لا يسوغ لهم ترك بيان فريضة من أهم الفرائض ووظيفة من أعظم الوظائف، لأن أهل السنة لا يرون جواز التقية من الحاكم المسلم، ولهذا عدوا من فضائل الإمام مالك بن أنس والإمام أحمد بن حنبل وغيرهما الجهر ببيان المعتقد مع ما كان فيه من سخط الخلفاء والوقوع في