نشأة المذاهب الأربعة:
كان الناس في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلجأون في معرفة أمور دينهم إليه صلى الله عليه وآله وسلم وإلى من جعلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قبله كأمراء أو رسل إلى البلاد الأخرى ، وبقي الحال على ذلك إلى أن قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما بعد زمانه صلى الله عليه وآله وسلم فكان الناس يسألون الخلفاء خاصة والصحابة عامة لما تفرقوا في سائر البلدان، لأنهم كانوا أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأعرفهم بأحكام دينه.
ولما جاء عصر التابعين وتابعي التابعين انقسم العلماء إلى قسمين: أهل الحديث، وأهل الفتوى.
وكثر المفتون في المدينة ومكة والشام ومصر والكوفة وبغداد وغيرها من بلاد الإسلام، فكان العامة يسألون من يظهر لهم علمه ومعرفته، دون أن يتمذهبوا بقول واحد بعينه.
إلا أن المهاترات التي وقعت بين أهل الحديث وأهل الفتوى وبالأخص أهل الرأي منهم من جهة، مضافا إلى تقريب الخلفاء لبعض العلماء دون البعض الآخر من جهة أخرى، ولد روح التعصب عند الناس لبعض الفقهاء، والحرص على الالتزام بآرائه الفقهية وطرح آراء غيره.
ولما ظهر أبو حنيفة كفقيه له آراؤه الفقهية، استطاع أن يستقطب له تلاميذ صار لهم الدور الكبير بعد ذلك في نشر تلك الآراء، ولا سيما القاضي أبو يوسف (1) الذي نال الحظوة عند الخلفاء العباسيين، فتولى منصب القضاء