بالكتاب والسنة، وحدث القول بانسداد باب الاجتهاد، وصارت الشريعة هي أقوال الفقهاء، وأقوال الفقهاء هي الشريعة، واعتبر كل من يخرج عن أقوال الفقهاء مبتدعا لا يوثق بأقواله، ولا يعتد بفتاويه (1). وقال أبو شامة: وكانت تلك الأزمنة مملوءة بالمجتهدين، فكل صنف على ما رأى، وتعقب بعضهم بعضا مستمدين من الأصلين: الكتاب والسنة... ولم يزل الأمر على ما وصفت إلى أن استقرت المذاهب المدونة، ثم اشتهرت المذاهب الأربعة، وهجر غيرها، فقصرت همم أتباعهم إلا قليلا منهم، فقلدوا بعدما كان التقليد حراما لغير الرسل، بل صارت أقوال أئمتهم بمنزلة الأصلين: الكتاب والسنة، وذلك معنى قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) فعدم المجتهدون، وغلب المتقلدون، وكثر التعصب، وكفروا بالرسول حيث قال: يبعث الله في كل مائة سنة من ينفي تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وحجروا على رب العالمين مثل اليهود أن لا يبعث بعد أئمتهم وليا مجتهدا، حتى آل بهم إلى التعصب إلى أحدهم إذا أورد عليه شئ من الكتاب والسنة على خلافه، يجتهد في دفعه بكل سبيل من التأويلات البعيدة، نصرة لمذهبه ولقوله (2).
ومن تعصبهم: غلو كل طائفة في إمامها.
قال البيهقي: إن الشافعي إنما وضع الكتب على مالك أنه بلغه أن بالأندلس قلنسوة لمالك يستسقى بها، وكان يقال لهم: (قال رسول الله). فيقولون: (قال مالك). فقال الشافعي: إن مالكا بشر يخطئ. فدعاه ذلك إلى تصنيف الكتاب في اختلافه معه (3).