وأما في المجال الثاني: فإن العقائد الدينية تعد رصيدا للأصول الأخلاقية، إذ التقيد بالقيم ورعايتها لا ينفك عن مصاعب وآلام يصعب على الإنسان تحملها إلا بعامل روحي يسهلها ويزيل صعوبتها له، وهذا كالتضحية في سبيل الحق والعدل، ورعاية الأمانة ومساعدة المستضعفين، فهذه بعض الأصول الأخلاقية التي لا تنكر صحتها، غير أن تجسيدها في المجتمع يستتبع آلاما وصعوبات، والاعتقاد بالله سبحانه وما في العمل بها من الأجر والثواب خير عامل لتشويق الإنسان على إجرائها وتحمل المصائب والآلام.
وأما في المجال الثالث: فإن العقيدة الدينية تساند الأصول الاجتماعية، لأنها تصبح عند الإنسان المتدين تكاليف لازمة، ويكون الإنسان بنفسه مقودا إلى العمل والإجراء، أي إجراء التكاليف والقوانين الاجتماعية في شتى الحقول.
وأما في المجال الرابع: فإن الدين يعتبر البشر كلهم مخلوقين لمبدأ واحد، فالكل بالنسبة إليه حسب الذات والجوهر كأسنان المشط، ولا يرى أي معنى للمميزات القومية والتفاريق الظاهرية.
فهذه بعض المجالات التي للدين فيها دور وتأثير واضح، أفيصح بعد الوقوف على هذه التأثيرات المعجبة أن نهمل البحث عنه، ونجعله في زاوية النسيان؟
نعم ما ذكرنا من دور الدين وتأثيره في الجوانب الحيوية من الإنسان إنما هو من شؤون الدين الحقيقي الذي يؤيد العلم ويؤكد الأخلاق ولا يخالفهما، وأما الأديان المنسوبة إلى الوحي بكذب وزور فخارجة عن موضوع بحثنا.