فقد بان بما مر ان الامر هو كلمة الايجاد وفعله الخاص به الذي لا يتوسط فيه الأسباب الكونية بتأثيراتها التدريجية، وهو الوجود الأرفع من نشأ المادة وظرف الزمان، وان الروح بحسب وجوده من سنخ الامر من الملكوت (1).
وقال في موضع ثالث بعد كلام يشبه ما تقدم: والحاصل ان الامر هو الايجاد سواء تعلق بذات الشئ أو بنظام صفاته وأفعاله، والخلق هو الايجاد عن تقدير وتأليف، سواء كان ذلك بنحو ضم شئ إلى شئ كضم أجزاء النقطة... أم من غير اجزاء مؤلفة، كتقدير ذات الشئ البسيط وضم ما له من درجة الوجود وحده وما له من الآثار والروابط التي له مع غيره، فالأصول الأولية مقدرة مخلوقة، كما أن المركبات مقدرة مخلوقة.
ولذا كان الخلق يقبل التدريج كما قال: * (خلق السماوات والأرض في ستة أيام) * بخلاف الامر، قال تعالى: * (وما امرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) *.
إلى أن يقول: فتلخص ان الخلق والامر يرجعان بالآخرة إلى معنى واحد، وان كانا مختلفين بحسب الاعتبار، فإذا انفرد كل من الخلق والامر صح ان يتعلق بكل شئ، كل بالعناية الخاصة به، وإذا اجتمعا كان الخلق أحرى بأن يتعلق بالذوات، لما انها أوجدت بعد تقرير ذواتها وآثارها، ويتعلق الامر بآثارها والنظام الجاري فيها بالتفاعل العام بينها، لما أن الآثار هي التي قدرت للذوات ولا وجه لتقدير المقدر فافهم ذلك (2).
وقال في البحث الروائي: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) " من زعم أن الله جعل للعباد من الامر شيئا فقد كفر بما انزل الله على أنبيائه لقوله: * (الا له الخلق والامر) * أقول:
المراد بنفي كون شئ من الامر للعباد نفي الجعل بنحو الاستقلال دون التبعي من الملك والامر... " (3).