الطريق السادس: أن العقل يقضي بخلود الكفار في النار. وهذا مبني على قاعدة وهي أن المعاد وثواب النفوس المطيعة وعقوبة النفوس الفاجرة هل هو مما يعلم بالعقل أو لا يعلم إلا بالسمع فيه طريقتان لنظار المسلمين، وكثير منهم يذهب إلى أن ذلك يعلم بالعقل مع السمع كما دل عليه القرآن في غير موضع كإنكاره سبحانه على من زعم أنه يسوي بين الأبرار والفجار في المحيا والممات، وعلى من زعم أنه خلق خلقه عبثا وأنهم إليه لا يرجعون وأنه يتركهم سدى أي لا يثيبهم ولا يعاقبهم، وذلك يقدح في حكمته وكماله وأنه نسبة إلى ما لا يليق به. وربما قرروه بأن النفوس البشرية باقية واعتقاداتها وصفاتها لازمة لها لا تفارقها وإن ندمت عليها لما رأت العذاب فلم تندم عليها لقبحها أو كراهة ربها لها، بل لو فارقها العذاب رجعت كما كانت أولا قال تعالى (ولو ترى إذ وفقوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين، بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وأنهم لكاذبون) فهؤلاء قد ذاقوا العذاب وباشروه ولم يزل سببه ومقتضيه من نفوسهم بل خبثها قائم بها لم يفارقها بحيث لو ردوا لعادوا كفارا كما كانوا، وهذا يدل على أن دوام تعذيبهم يقضي به العقل كما جاء به السمع. انتهى.
ثم قال ابن قيم:
قال أصحاب الفناء على هذه الطرق يبين الصواب في هذه المسألة:
فأما الطريق الأول فالإجماع الذي ادعيتموه غير معلوم وإنما يظن الإجماع في هذه المسألة من لم يعرف النزاع وقد عرف النزاع بها قديما وحديثا، بل لو كلف مدعي الإجماع أن ينقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلى الواحد أنه قال إن النار لا تفنى أبدا لم يجد إلى ذلك سبيلا، ونحن قد نقلنا عنهم التصريح بخلاف ذلك، فما وجدنا عن واحد منهم خلاف ذلك، بل التابعون حكوا عنهم هذا وهذا، قالوا والإجماع المعتد به نوعان متفق عليهما ونوع ثالث مختلف فيه، ولم يوجد واحد