ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وآله أمته بالقرآن الذي فيه العلم اليقيني، وبالعترة الذين عندهم التفسير اليقيني.
وعلى هذا المنهج اليقيني عمل أهل البيت عليهم السلام وعلموا الأمة، وبينوا لها معالم دينها بالعلم لا بالظن، وخاضوا معركة مع أتباع الظن والرأي، ولم يقبلوا حتى تعابيرهم ومصطلحاتهم! فقد سأل رجل الإمام الصادق عليه السلام عن مسألة فأجابه فيها فقال الرجل: أرأيت إن كان كذا وكذا، ما يكون القول فيها؟ فقال له: مه، ما أجبتك فيه من شئ فهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله. لسنا من " أرأيت " في شئ)!! (الكافي: 1 / 58).
وقد تقدم قول الإمام الباقر عليه السلام في الذين تركوا العلم واتبعوا الظن، إنهم تركوا النهر العظيم وأخذوا يمصون الثماد! قال عليه السلام: (يمصون الثماد ويدعون النهر العظيم! قيل له: وما النهر العظيم؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وآله والعلم الذي أعطاه الله) (الكافي: 1 / 222).
وأحاديث النبي وعتر ته صلى الله عليه وآله تؤكد هذه الحقيقة وتؤصلها في الإسلام تجد في كل مصدر حديثي عند الشيعة تقريبا، أبوابا بعنوان: (النهي عن الفتيا والقول بغير علم)، أو بعنوان: (باب إبطال المقاييس والرأي والبدع)، أو أبوابا مشابهة فيها أحاديث عديدة في تحريم استعمال الظنون والمقاييس في الدين.
وقد ألف قدماء علمائنا ومتأخروهم كتبا عديدة في إبطال القياس والاستحسان والمصالح المرسلة، وكل عمل بالاحتمال، أو بالظن العادي، أو بالظن الغالب!
كما تجد فيها مناظرات لأئمتنا عليهم السلام وعلمائنا، مع علماء المذاهب الظنية.
ففي كتاب المحاسن لأحمد بن محمد بن خالد البرقي رحمه الله المتوفى 274 ه: 1 / 189: (باب المقائيس والرأي.... باب النهي عن القول والفتيا بغير علم.... وفي ص 204: (باب حق الله عز وجل على خلقه... عن زرارة بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما حق الله على خلقه؟ قال: حق الله على خلقه أن يقولوا بما يعلمون، ويكفوا عما لا يعلمون، فإذا فعلوا ذلك فقد والله أدوا إليه حقه).