وقد حاول شراح البخاري كالقاضي عياض، وابن بطال، وابن منير، وغيرهم أن يفسروا الرواية بأن السفرة قدمتها قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله فرفض أن يأكل منها، ثم قدمها إلى زيد فرفض كذلك.. وكذبوا في ذلك وتمحلوا وأطالوا كعادتهم! مع أن الرواية لم تذكر وجود أحد في القصة غير النبي صلى الله عليه وآله وزيد!
قال ابن حجر في فتح الباري: 7 / 108: (وقال ابن بطال: كانت السفرة لقريش قدموها للنبي (ص) فأبى أن يأكل منها، فقدمها النبي (ص) لزيد بن عمرو فأبى أن يأكل منها، وقال مخاطبا لقريش الذين قدموها أولا: إنا لا نأكل ما ذبح على أنصابكم. انتهى. وما قاله محتمل لكن لا أدري من أين له الجزم بذلك! فإني لم أقف عليه في رواية أحد! وقد تبعه بن المنير في ذلك، وفيه ما فيه)!
ومال ابن حجر إلى أن السفرة كانت للنبي صلى الله عليه وآله وأن الذي ذبح القربان للصنم هو خادمه زيد بن حارثة! وهذا هو المفهوم من قول البخاري: (فقدم إليه رسول الله (ص) سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منها، ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه)!!
لكن ابن حجر حاول أن يبرر ذلك، بأنه لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه وآله!!
ومن عادة رواتهم وعلمائهم في التبرير أن يغمضوا عيونهم عن الروايات التي تنقض ما يريدون، حتى لو كانت صحيحة، وكانت أضعاف ما يتشبثون به!
وإلا فلماذا لم يذكروا هنا ما رواه أحمد في مسنده، وفي فضائل الصحابة، والنسائي في سننه، والبيهقي في سننه، وابن حبان في صحيحه، والطبراني في معجمه الكبير، وابن عساكر في تاريخه، وابن سعد في طبقاته، والمزي في تهذيبه، والتيمي الأصفهاني في دلائله، وغيرهم..؟!
ورواياتها تنص على أن النبي صلى الله عليه وآله وزيدا قصدا بلدح وذبحا قربانا لصنم هناك، ثم لقيا زيد بن نفيل، وأن النبي صلى الله عليه وآله قدم له السفرة... إلى آخر القصة!