فقد عاد إلى منزله في مكة مرعوبا شاكيا إلى زوجته خديجة عليهما السلام فطمأنته، لكنها بقيت هي أيضا في شك! فأخذت زوجها إلى ورقة بن نوفل، وهو قسيس عجوز من قبيلتها بني زهرة، وعرضت عليه مشكلته، فسأله ورقة وأجابه، فطمأنه بأن الذي جاءه هو جبرئيل، وأنه فعلا قد بعث نبيا!!
لكن النبي صلى الله عليه وآله لم يطمئن، خاصة بعد أن انقطع عنه الوحي! فقرر أن يلقي بنفسه من رأس جبل شاهق وينتحر! وذهب مرارا إلى رؤوس الجبال، لكنه كلما ذهب إلى رأس جبل لينتحر، كان جبرئيل يأتيه ويمنعه من ذلك!!
قال بخاري في صحيحه: 8 / 67: (باب التعبير وأول ما بدئ به رسول الله (ص) من الوحي.. عن عائشة أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها، حتى فجأه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه فقال: إقرأ، فقال له النبي (ص): ما أنا بقارئ، قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد! ثم أرسلني فقال: إقرأ! فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد! ثم أرسلني فقال: إقرأ! فقلت: ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد! ثم أرسلني فقال: إقرأ باسم ربك! ثم أرسلني فقال: إقرأ باسم ربك الذي خلق، حتى بلغ ما لم يعلم. فرجع بها ترجف بوادره، حتى دخل على خديجة فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع! فقال يا خديجة مالي؟! وأخبرها الخبر وقال: قد خشيت على نفسي! فقالت له: كلا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.