الواقع الموضوعي. وترتيبا على ذلك يستنتج من تناقض الادراكات والتجارب الحسية خلوها من الواقع الموضوعي، وغاب عنه ان مبدأ عدم التناقض ليس في المذهب التجريبي الا مبدأ تجريبيا يدلل عليه بالتجربة الحسية، فإذا كانت الادراكات والتجارب متناقضة كيف صح لباركلي ان يؤمن بمبدأ عدم التناقض، ويبرهن عن هذا الطريق على عدم وجود واقع موضوعي؟ ولماذا لا يصح عنده وجود واقع موضوعي تتناقض فيه الظواهر والأشياء والحقيقة ان باركلي استند - لا شعوريا - إلى فطرته الحاكمة بمبدأ عدم التناقض بصورة مستقلة عن الحس والتجربة.
وثالثا: من الضروري ان نميز بين مسألتين: إحداهما مسألة وجود واقع موضوعي للإدراكات والاحساسات، والأخرى مسألة مطابقة هذا الواقع لما يبدو لنا في ادراكنا وحواسنا. وإذا ميزنا بينهما استطعنا ان نعرف ان تناقض الإحساسات لا يمكن ان يتخذ برهانا على عدم وجود واقع موضوعي - كما حاول باركلي - وانما يدل على عدم التكافؤ بين المعنى المدرك بالحس، والواقع الموضوعي في الخارج - أي أن الاحساس لا يجب أن يكون مطابقا كل المطابقة للأشياء الخارجية. وهذا شيء غير ما حاوله باركلي من انكار موضوعية الاحساس، فنحن حين نغمس يدينا بالماء فتحس إحداهما بالحرارة وتحس الأخرى بالبرودة، لا نضطر لأجل استبعاد التناقض ان ننكر موضوعية الاحساس بصورة مطلقة، بل يمكننا أن نفسر التناقض على وجه آخر وهو ان احساساتنا عبارة عن انفعالات نفسية بالأشياء الخارجية، فلابد من شيء خارجي حينما نحس وننفعل. ولكن ليس من الضروري تكافؤ الاحساس مع الواقع الموضوعي لأن الاحساس لما كان انفعالا ذاتيا فهو لا يتجرد عن الناحية الذاتية. ويمكننا على هذا الأساس ان نحكم فورا في شأن الماء الذي افترضه باركلي بأنه ماء دافئ ليس ساخنا ولا باردا، وان هذا الدفء هو الواقع الموضوعي الذي أثار فينا الاحساسين المتناقضين، وقد تناقض الاحساسان بسبب الناحية الذاتية التي نضيفها على الأشياء حين ندركها وننفعل بها.
الدليل الثاني: ان الاعتقاد بوجود الأشياء خارج روحنا وتصورنا انما يقوم على أساس اننا نراها ونلمسها - أي أننا نعتقد بوجودها، لأنها تعطينا