ولما كانت هذه القضية صادقة لأنها بديهية بشكل لا يقبل الشك. فكل ما هو على درجتها في البداهة صادق أيضا، وبهذا عطف قضية أخرى على البديهية الأولى وسلم بأنها حقيقة وهي أن الشيء لا يخرج من لا شيء.
وبعد أن آمن بالناحية الذاتية، أخذ في اثبات الواقع الموضوعي فرتب الأفكار الانسانية في ثلاث طوائف:
الأولى: أفكار غريزية أو فطرية، وهي الأفكار الطبيعية في الانسان التي تبدو في غاية الوضوح والجلاء كفكرة: الله والحركة والامتداد والنفس.
الثانية: أفكار غامضة تحدث في الفكر بمناسبة حركات واردة على الحواس من الخارج، وليست لها أصالة في الفكر الانساني.
الثالثة: أفكار مختلفة، وهي الأفكار التي يصطنعها الانسان ويركبها من أفكاره الأخرى، كصورة انسان له رأسان.
وأخذ - أول ما أخذ - فكرة (الله) من الطائفة الأولى، فقرر أنها فكرة ذات حقيقة موضوعية إذ هي في حقيقتها الموضوعية تفوق الانسان المفكر وكل ما فيه من أفكار، لأنه ناقص محدود وفكرة (الله) هي فكرة الكامل المطلق الذي لا نهاية له. ولما كان قد آمن سلفا، بأن الشيء لا يخرج من لا شيء، فهو يعرف ان لهذه الصورة الفطرية في فكره سببا، ولا يمكن ان يكون هو السبب لها لأنها أكبر منه وأكمل والشيء لا يجيء أكبر من سببه والا لكانت الزيادة في المسبب قد نشأت من لا شئ. فيجب ان تكون الفكرة منبثقة عن الكائن اللانهائي الذي يوازيها كمالا وعظمة، وذلك الكائن هو أول حقيقة موضوعية خارجية تعترف بها فلسفة (ديكارت) وهي: (الله).
وعن طريق هذا الكائن الكامل المطلق أثبت ان كل فكر فطري في الطبيعة الانسانية، فهو فكر صادق يحتوي على حقيقة موضوعية، لأن الأفكار العقلية - الطائفة الأولى - صادرة عن الله، فإذا لم تكن صادقة كان تزويد الله للانسان بها خدعة وكذبا، وهو مستحيل على الكامل المطلق.
ولأجل ذلك آمن ديكارت بالمعرفة الفطرية (العقلية) للانسان وأنها معرفة