خاطئة. ومهما كانت هذه الأفكار والادراكات واضحة فلا نستطيع استبعاد هذا الفرض الذي يضطرنا إلى اتخاذ الشك مذهبا مطردا.
ولكن (ديكارت) يستثني حقيقة واحدة تصمد في وجه العاصفة ولا تقوى على زعزعتها تيارات الشك، وهي: (فكرة). فإنه حقيقة واقعة لا شك فيها ولا يزيدها الشك الا ثباتا ووضوحا، لان الشك ليس الا لونا من ألوان الفكر، وحتى تلك القوة الخداعة لو كان لها وجود فهي لا تستطيع أن تخدعنا في ايماننا بهذا الفكر لأنها انما تخدعنا عن طريق الايحاء بالتفكير الخاطئ الينا، ومعنى ذلك ان التفكير حقيقة ثابتة على كل حال، سواء أكانت مسألة الفكر الانساني مسألة خداع وتضليل أم مسألة فهم وتحقيق.
وتكون هذه الحقيقة في فلسفة (ديكارت) حجر الزاوية ونقطة الانطلاق لليقين الفلسفي، الذي حاول أن يخرج به من التصور إلى الوجود، ومن الذاتية إلى الموضوعية، بل حاول أن يثبت عن طريق تلك الحقيقة الذات والموضوع معا، فبدأ بذاته واستدل على وجودها بتلك الحقيقة قائلا: ((انا أفكر، فأنا اذن موجود)) وقد يلاحظ على ديكارت في هذا الاستدلال انه يحتوي - لا شعوريا على الايمان بحقائق لا زلت حتى الآن في موضع الشك عنده. فان هذا الاستدلال تعبير غير فني عن الشكل الأول من القياس في المنطق الأرسطي، ويرجع فنيا إلى الصيغة الآتية: ((أنا أفكر، وكل مفكر موجود فأنا موجود) ولأجل ان يصح هذا الاستدلال عند ديكارت يجب أن يؤمن بالمنطق، ويعتقد بأن الشكل الأول من القياس منتج وصحيح في انتاجه، مع أنه لا يزال في بداية الشوط الأول، ولا يزال الشك مهيمنا في عقله على جميع المعارف والحقائق ومنها المنطق وقوانينه.
ولكن الواقع الذي يجب ان ننبه عليه هو: ان ديكارت لم يكن يحس بحاجة إلى الايمان بالأشكال القياسية في المنطق حين بدأ المرحلة الاستدلالية من تفكيره ب ((أنا أفكر، فأنا اذن موجود)) بل كان يرى ان معرفة وجوده عن طريق فكره أمر بديهي لا يحتاج إلى تشكيل قياس والتصديق بصغراه وكبراه.