التي من حق البحث الفلسفي. أن يعطى كلمة فيها. وعلى أساس هذا الخطأ قام الزعم المادي القائل بان الادراك في مفهومه الفلسفي لدى الميتافيزية. يتعارض مع الادراك في مفاهيمه العلمية. فقد رأينا كيف يحاول جورج بوليتزير.، أن يبرهن على مادية الادراك من ناحية فلسفية، بدلائل العلوم الطبيعية وقد قام غيره بنفس محاولته أيضا.
ولذلك نجد لزاما علينا ان نحدد الموقف الفلسفي في المسألة، لنقضي على المحاولات الرامية إلى الخلط، بين المجال الفلسفي والمجال العلمي. والى اتهام التفسير الميتافيزي للادراك، بمجافاة العلم ومنافاته لحقائقه ومقرراته.
وعلى هذا سنقوم بتصفية للموقف العام. تجاه الادراك، ونلقي على ألوان البحث العلمي شيئا من الضوء، يحدد لنا نقاط اختلافنا مع المادية عامة، ومع الماركسية على وجه الخصوص، كما يحدد لنا النواحي التي يمكن للدراسات العلمية ان تمسها وتبحثها. حتى يصبح من الواضح.
ان هذه الدراسات لا يمكن اعتبارها مستمسكا للمادية، في معتركها الفكري الذي تخوضه مع الميتافيزية، في سبيل وضع المفهوم الفلسفي الأكمل للادراك.
وقد ألمعنا فيما سبق، إلى تعدد تلك النواحي، التي مستها تلك البحوث العلمية أو عالجتها، من الادراك، لتعدد ما يتصل بجوانبه المختلفة من علوم، بل لتعدد المدارس العلمية من العلم الواحد، التي عالجت كل واحدة منها الادراك بمنظارها الخاص. فهناك بحوث الفيزياء والكيمياء، تدرس جانبا من جوانب الادراك، وهناك الفيزيولوجيا تأخذ بحظها من الدراسة، وهناك أيضا السيكولوجيا بمختلف مدارسها. من المدرسة الاستبطانية، والسلوكية، والوظيفية، وغيرها من مدارس علم النفس، تتوفر جميعا على درس جوانب عديدة من الادراك. ويجيء بعد ذلك كله دور علم النفس الفلسفي، ليتناول الادراك من ناحيته الخاصة، ويبحث عما إذا كان الادراك في حقيقته، حالة مادية قائمة بالجهاز العصبي، أو حالة روحية مجردة؟
وفيما يلي نضع النقاط على الحروف في تلك النواحي المتشعبة،