ووضعت بعد ذلك المقياس العام للمعرفة والحقيقة في التجربة، واستبعدت المعارف العقلية الضرورية، وأنكرت وجود منطق عقلي مستقل عن التجربة، كل ذلك حذرا من امكان محو النقطة المركزية بالمنطق العقلي، وحدا للطاقة البشرية بالميدان التجريبي خاصة.
وواجهت الماركسية في هذه المرحلة مشكلة جديدة، وهي ان الميزان الفكري للانسان إذا كان هو الحس والتجربة، فلابد ان تكون المعلومات التي يكونها عن طريق الحس والتجربة صحيحة دائما، ليمكن اعتبارها ميزانا أوليا توزن به الأفكار والمعارف. فهل نتائج الحس العلمي كذلك حقا؟ وهل النظريات القائمة على التجربة مضمونة الصدق ابدا؟
وهكذا وقعت الماركسية بين خطرين: فان اعترفت بأن المعلومات القائمة على أساس التجربة ليست معصومة من الخطأ، فقد سقطت التجربة عن كونها ميزانا أوليا للحقائق والمعارف. وان ادعى الماركسيون أن النظرية المستمدة من التجربة والتطبيق فوق الخطأ والاشتباه، اصطدموا بالواقع الذي لا يسع لاحد انكاره، وهو ان كثيرا من النظريات العلمية، بل القوانين التي توصل إليها الانسان عن طريق درس الظواهر المحسوسة، قد ظهر خطأها وعدم مطابقتها للواقع، فسقطت عن عرشها العلمي بعد ان تربعت عليه مئات السنين.
وإذا كانت المفاهيم العلمية التجريبية قد تخطئ. وكان المنطق العقلي ساقطا من الحساب، فكيف يعلن عن فلسفة يقينية؟ أو تشاد مدرسة ذات صفة جزمية في أفكارها؟
وقد أصرت الماركسية على وضع التجربة مقياسا أعلى، وتخلصت من هذا المأزق بوضع قانون الحركة والتطور في العلوم والأفكار، نظرا إلى ان الفكر جزء من الطبيعة، وهو بهذا الاعتبار يحقق قوانين الطبيعة كاملة. فيتطور وينمو كما تتطور الطبيعة. وليس التطور العلمي يعني سقوط المفهوم العلمي السابق، وانما يعبر عن حركة تكاملية في الحقيقة والمعرفة. فالحقيقة والمعرفة هي الحقيقة والمعرفة، غير أنها تنمو وتتحرك وتتصاعد بصورة مستمرة.
وهكذا قضى بذلك على جميع البدهيات والحقائق لأن كل فكر سائر في