صراط التطور والتغير، فليست توجد حقيقة ثابتة في دنيا الفكر مطلقا، ولا يؤمن على ما ندركه الآن من البديهيات (نظير ادراكنا: ان الكل أكبر من الجزء، وأن 2 + 2 = 4) أن يكتسب شكلا آخر في حركته التطورية، فندرك الحقيقة عند ذاك على وجه آخر.
ولما كانت الحركة التي وضعتها الماركسية كقانون للفكر، وللطبيعة بصورة عامة، لا تنبثق الا عن قوة وسبب، ولم تكن في العالم حقيقة الا المادة في زعمها، فقد قالت: ان الحركة حصيلة تناقضات في المحتوى الداخلي للمادة، وان هذه المتناقضات تتصارع فتدفع بالمادة وتطورها. ولهذا ألغت الماركسية مبدأ عدم التناقض، واتخذت من الديالكتيك طريقة لفهم العالم، ووضعت مفهومها المادي في إطاره.
وهكذا يتضح ان جميع الجوانب الفلسفية للمادية الديالكتيكية، مرتبطة بالنقطة المركزية (المفهوم المادي)، وقد صيغت لأجل تركيزها والحفاظ عليها. وليس اسقاط البديهيات وجعلها عرضة للتغير، أو الايمان بالتناقض واعتباره قانونا عاما للطبيعة، وما إليها من النتائج الغريبة التي انتهت إليها الماركسية، الا تسلسلا حتميا للانطلاق أي بدأ من المفهوم المادي الماركسي، وتبريرا له في المجال الفلسفي.