وقد استعرضنا الاتجاه الأول استعراضا سريعا في الجزء الثاني من نظرية المعرفة، حين تناولنا بالدرس والتمحيص المثالية الفيزيائية التي قامت على حطام المادية الميكانيكية.
واما الاتجاه المادي الآخر، الذي يفسر العالم تفسيرا ماديا بقوانين الديالكتيك، فهو الاتجاه الذي اتخذته المدرس الماركسية، فوضعت مفهومها المادي عن العالم على أساس هذا الاتجاه.
قال ستالين: ((تسير مادية ماركس من المبدأ القائل: ان العالم بطبيعته مادي، وان حوادث العالم المتعددة هي مظاهر مختلفة للمادة المتحركة، وان العلاقات المتبادلة بين الحوادث وتكييف بعضها بعضا بصورة متبادلة، كما تقررها الطريقة الديالكتيكية، هي قوانين ضرورية لتطور المادة المتحركة، وان العالم يتطور تبعا لقوانين حركة المادة، وهو ليس بحاجة لأي عقل كلي)) (1).
ويعتبر المفهوم المادي المادة - الوجود - هو النقطة المركزية في الفلسفة الماركسية، لأنها التي تحدد نظرة الماركسية إلى الحياة، وتنشئ لها فهما خاصا للواقع وقيمه، ومن دونها لا يمكن ان تقام الأسس المادية الخالصة للمجتمع والحياة.
وقد فرضت هذه النقطة على المذهب الماركسي تسلسلا فكريا خاصا. واقتضت منه ان يقيم شتى جوانبه الفلسفية لصالحها.
فلأجل ان تملك الماركسية الحق في تقرير النقطة المركزية تقريرا نهائيا، اختارت ان تكون يقينية، كما عرفنا في نظرية المعرفة، وأعلنت أن لدى الانسان من الطاقات العلمية ما يتيح له الجزم بفلسفة معينة عن الحياة، واستكناه اسرار الوجود والعالم، ورفضت مذهب الشك المطلق، وحتى النسبية الجامدة، وحاولت بذلك ان تعطي صفة قطعية للمحور الرئيسي أي المفهوم المادي.