الماء حقا، وانما نحسها كذلك بسبب انكسار الأشعة الضوئية في الماء. ونتصور الماء الدافئ حارا جدا حين نضع يدنا فيه وهي شديدة البرودة، مع يقيننا بأن الحرارة التي أحسسنا بها ليس لها واقع موضوعي.
وأما التصديق - أي القسم الآخر من الادراك البشري - فهو الذي يصح ان يكون نقطة الانطلاق لنا من التصورية إلى الموضوعية، فلنلاحظ كيف يتم ذلك؟
ان المعرفة التصديقية عبارة عن حكم النفس بوجود حقيقة من الحقائق وراء التصور، كما في قولنا: ان الخط المستقيم اقصر مسافة بين نقطتين. فان معنى هذا الحكم هو جزمنا بحقيقة وراء تصوراتنا للخطوط المستقيمة والنقاط والمسافات، ولذلك يختلف كل الاختلاف عن ألوان التصور الساذج، فهو:
أولا: ليس صورة لمعنى معين من المعاني التي يمكن أن نحسها ونتصورها، بل فعلا نفسيا يربط بين الصور، ولهذا لا يمكن ان يكون واردا إلى الذهن عن طريق الاحساس، وانما هو من الفعاليات الباطنية للنفس المدركة.
ثانيا: يملك خاصة ذاتية لم تكن موجودة في شيء من ألوان التصور وأقسامه، وهي خاصة الكشف عن واقع وراء حدود الادراك، ولذلك كان من الممكن ان نتصور شيئا وأن تحس به ولا تؤمن بوجوده في واقع وراء الادراك والشعور، ولكن ليس من المعقول ان تكون لديك معرفة تصديقية - أي أن تصدق بأن الخط المستقيم هو أقرب مسافة بين نقطتين - وتشك مع ذلك في وجود حقيقية موضوعية يحكي عنها إدراكك وشعورك.
وهكذا يتضح ان المعرفة التصديقية هي وحدها التي يمكن ان ترد على حجة باركلي القائلة: أنا لا نتصل بالواقع مباشرة وانما نتصل بأفكارنا فلا وجود الا لأفكارنا. فالنفس وان كانت لا تتصل مباشرة الا بإدراكاتها الا أن هناك لونا من الادراك يكشف بطبيعته كشفا ذاتيا عن شيء خارج حدود الادراك وهو الحكم - أي المعرفة التصديقية. فحجة باركلي كانت تقوم على الخلط بين التصور والتصديق، وعدم ادراك الفوارق الأساسية بينهما.
وعلى هذا الضوء نتبين أن المذهب التجريبي والنظرية الحسية يؤديان إلى