وكان الخطأ محتملا في كل مجال. ولكن الذي يقضي على هذا الشك هو المذهب العقلي - الذي درسناه في الجزء الأول من نظرية المعرفة (المصدر الأساسي للمعرفة) - فهو يقرر وجود معارف ضرورية مضمونة الصحة لا يقع فيها الخطأ مطلقا، وانما يقع أحيانا في طريقة الاستنتاج منها. وعلى هذا تنقسم المعارف البشرية - كما سبق في تلك الدراسة - إلى معارف ضرورية مضمونة تتشكل منها القاعدة الرئيسية للتفكير، ومعارف ثانوية تستنتج من تلك القاعدة وهي التي قد يقع فيها الخطأ.
فنحن اذن مهما شككنا، لا نستطيع أن نشك في تلك القاعدة لأنها مضمونة الصدق بصورة ضرورية.
ونريد أن نتبين الآن ما إذا كان في وسع الفيلسوف المثالي باركلي أن ينكر تلك القاعدة المضمونة، ولا يقر بوجود معارف ضرورية فوق الخطأ والاشتباه أولا؟
ولا شك في أن الجواب هو النفي، فإنه مضطر إلى الاعتراف بوجود معارف مضمونة الصدق ما دام قد حاول الاستدلال على مثاليته بالأدلة السابقة، فان الانسان لا يمكنه أن يستدل على شيء ما لم يركز استدلاله على أصول وقواعد مضمونة الصدق عنده، ونحن إذا لاحظنا أدلة باركلي وجدناه مضطرا إلى الاعتراف:
أولا: بمبدأ عدم التناقض الذي ارتكز عليه الدليل الأول، فان التناقض إذا كان ممكنا، فلا يصح أن يستنتج من تناقض الإحساسات عدم موضوعيتها.
وثانيا: بمبدأ العلية والضرورة، فهو لو لم يكن يعترف بهذا المبدأ لكان استدلاله عبثا، لأن الانسان انما يقيم دليلا على رأيه لايمانه بأن الدليل علة ضرورية للعلم بصحة ذلك الرأي. فإذا لم يكن يعتقد بمبدأ العلية والضرورة جاز ان يكون الدليل صحيحا، ومع ذلك لا يثبت به الرأي المطلوب.
وإذا ثبت وجود معارف مضمونة الصدق في التفكير البشري، فلا شك في