القبلة (إن المسائل التي اختلف فيها أهل القبلة من كون الله تعالى عالما بعلم أو موجد الفعل العبد أو غير متحيز ولا في جهة ونحوها) ككونه مريئا أو لا (لم يبحث
النبي صلى الله عليه وسلم عن اعتقاد من حكم بإسلامه فيها ولا الصحابة ولا التابعون فعلم) إن صحة دين الإسلام لا تتوقف على معرفة الحق في تلك المسائل و (أن الخطأ فيها أوليس قادحا في حقيقة الإسلام) إذا لو توقفت عليها وكان الخطأ قادحا في تلك الحقيقة لوجب أن يبحث عن كيفية اعتقادهم فيها لكن لم يجر حديث شئ منها في زمانه عليه السلام ولا في زمانهم أصلا (فإن قيل لعله عليه السلام عرف منهم ذلك) أي كونهم عالمين بها إجمالا (فلم يبحث عنها) لذلك (كما لم يبحث عن علمهم بعلمه وقدرته مع
وجوب اعتقادهما) وما ذلك إلا لعلمه بأنهم عالمون على طريق الجملة بأنه تعالى قادر فكذا الحال في تلك المسائل (قلنا) ما ذكرتموه (مكابرة) لأنا نعلم أن الأعراب الذين جاؤوا إليه عليه السلام ما كانوا كلهم عالمين بأنه تعالى عالم بالعلم لا بالذات وأنه مرئي في الدار الآخرة وأنه أوليس بجسم ولا في مكان وجهة وأنه قادر على أفعال العباد كلها وأنه موجد لها بأسرها فالقول بأنهم كانوا عالمين بها مما علم فساده بالضرورة (و) أما (العلم والقدرة) فيهما (مما
يتوقف عليه ثبوت نبوته) لتوقف دلالة المعجزة عليهما (فكان الاعتراف) والعلم (بها) أي بالنبوة (دليلا للعلم بهما) ولو إجمالا فلذلك لم يبحث عنهما قال الإمام الرازي الأصول التي
يتوقف عليها صحة نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم أدلتها على ما يليق بأصحاب الجمل ظاهرة فإن من دخل بستانا ورأى أزهارا حادثة بعد أن لم تكن ثم رأى عنقود عنب قد أسود جميع حباته إلا حبة واحدة مع تساوي نسبة الماء والهواء وحر الشمس إلى جميع تلك الحبات فإنه يضطر إلى العلم بأن محدثه فاعل مختار لأن دلالة الفعل المحكم على علم فاعله واختياره ضرورية ودلالة المعجزة على
صدق المدعى ضرورية أيضا
____________________
قدم العالم ونفي الحشر ونفي العلم بالجزئيات ونحو ذلك وكذا بصدور شئ من موجبات الكفر عنه كذا في شرح المقاصد ولعله أراد أن اعتقاد قدمه مع نفي الحشر كفر وإلا فقد ذهب كثير من حكماء الإسلام إلى قدم بعض الأجسام والفحول من أرباب المكاشفة ذهبوا إلى قدم العرش والكرسي دون سائر الأفلاك فلا وجه للتكفير إذ لا تكذيب فيه للنبي عليه السلام والله أعلم بمراده (قوله لم يبحث النبي عليه السلام) قال في شرح المقاصد ولقائل أن يجيب بأن التصديق بجميع ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام إجمالا كاف في صحة الإيمان وإنما يحتاج إلى بيان الحق في التفاصيل عند ملاحظتها وإن كانت مما لا خلاف في تكفير المخالف فيها كحدوث العالم فكم من مؤمن لم يعرف مني الحادث والقديم أصلا ولم يخطر بباله حديث حشر الأجساد قطعا لكن إذا لاحظ ذلك فلو لم يصدق كان كافرا والجواب إنا نقطع بأن منهم من وقف على التفاصيل وإن لم يكن كلهم كذلك (قوله بأصحاب الجمل)