قال: ثم إن الخبر شاع في جوانب الكوفة وانحشر الناس حتى المخدرات خرجن من خدورهن إلى الجامع وهم ينظرون إلى أمير المؤمنين (ع) فدخل الناس الجامع فوجدوا الحسن عليه السلام ورأس أبيه في حجره وقد غسل الدم عنه وشد الضربة، وهي تشخب دما ووجهه (ع) قد زاد بياضا بصفرة وهو يرمق السماء بطرفه ولسانه يسبح الله ويوحده وهو يقول: أسألك يا رب الرفيع الأعلى، وغشي عليه، فصاح الحسن " ع ": وا أبتاه وجعل يبكي بكاء عاليا، ففتح عينيه فرأى الحسن باكيا فقال يا بني أتجزع على أبيك وغدا تقتل بعدي مسموما ومظلوما، ويقتل أخوك بالسيف وتلحقان بجدكما وأبيكما وأمكما؟ فقال له الحسن يا أبتاه أما تعرفنا من قتلك ومن فعل بك هذا؟ قال: قتلني ابن اليهودية عبد الرحمن بن ملجم المرادي، فقال: يا أبتاه من أي طريق مضى؟ فقال " ع " لا يمضي أحد في طلبه، فإنه سيطلع عليكم من هذا الباب - وأشار بيده الشريفة إلى باب كندة -.
قال: ولم يزل السم يسري في رأسه وبدنه، ثم أغمي عليه ساعة والناس ينظرون قدوم الملعون واشتغلوا بالنظر إلى باب كندة وقد غص بهم الجامع وهم ما بين باك وباكية فما كان إلا ساعة وإذا بالصيحة قد ارتفعت وزمرة من الناس قد جاؤوا بعدو الله ابن ملجم مكتوفا هذا يلعنه وهذا يضربه وهذا يبصق في وجهه.
قال: فوقع الناس بعضهم على بعض ينظرون إليه، وأقبلوا به لعنه الله وهم ينهشون لحمه بأسنانهم ويقولون له: يا عدو الله ماذا صنعت أهلكت أمة محمد (ص)؟
وقتلت خير الناس، وانه لصامت وبين يديه رجل يقال له حذيفة النخعي بيده سيف مشهور برد الناس عن قتله وهو يقول هذا قاتل الامام أمير المؤمنين علي " ع " حتى أدخلوه المسجد وأوقفوه بين يدي الامام " ع "، فلما نظر إليه الحسن (ع) قال له ويلك يا عدو الله أنت قاتل أمير المؤمنين ومثكلنا امام المسلمين، هذا جزاؤه منك حيث آواك وداناك هل كان بئس الامام لك حتى جازيته هذا الجزاء يا شقي الأشقياء، فقال له اللعين يا أبا محمد فأنت تنقذ من في النار.
فعند ذلك ضجت الناس بالبكاء والنحيب، فأمرهم الحسن (ع) بالسكوت، ثم