وتحرقه بالنار ولا تمثل بالرجل، فاني سمعت جدك رسول الله (ص) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور، وان أنا عشت فأنا أولى بالعفو عنه، فنحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلا عفوا وكرما.
قال محمد بن الحنفية: ثم إن أبي قال: احملوني إلى موضع مصلاي في منزلي؟.
قال: فحملناه إليه وهو مدنف، والناس حوله وهم في أمر عظيم وقد أشرفوا على الهلاك، من شدة البكاء والنحيب.
ثم التفت إلى الحسين (ع) وهو يبكي، فقال له: يا أبتاه من لنا بعدك، لا كيومك إلا يوم رسول الله (ص)، يعز والله علي ان أراك هكذا، فناداه (ع) وقال:
يا حسين يا أبا عبد الله ادن مني، فدنى منه وقد قرحت أجفان عينيه من البكاء، فمسح الدموع من عينيه ووضع يده على قلبه وقال له: يا بني ربط الله قلبك بالصبر وأجزل لك ولإخوتك عظيم الأجر، فسكن روعك وأهدأ من بكائك، فان الله قد آجرك على عظيم مصابك، ثم ادخل إلى حجرته (ع) وجلس في محرابه.
قال: وأقبلت زينب وأم كلثوم حتى جلستا معه على فراشه وأقبلتا تندبانه وتقولان: يا أبتاه من للصغير حتى يكبر، ومن للكبير بين الملأ، يا أبتاه حزننا عليك طويل، وعبرتنا لا ترقى.
قال: فضج الناس بالبكاء من وراء الحجرة وفاضت دموع أمير المؤمنين (ع) عند ذلك وجعل يقلب كفه وينظر إلى أهل بيته وأولاده.
قال: وجاؤا باللعين ابن ملجم مكتوفا إلى بيت من بيوت القصر فحبسوه فيه، فقالت له أم كلثوم وهي تبكي: يا ويلك أما أبي فأرجو ان لا يكون عليه بأس، وان الله يخزيك في الدنيا والآخرة، وان مصيرك إلى النار خالدا فيها، فقال اللعين إبك ان كنت باكية، فوالله لقد اشتريت سيفي بألف وسممته بألف، ولو كانت ضربتي هذه لجميع أهل الكوفة ما نجى منهم أحد! فصرخت أم كلثوم ونادت: وا أبتاه وا علياه، قال: ثم دعا أمير المؤمنين (ع) الحسن والحسين (ع) وجعل يحضنهما ويقبلهما، ثم أغمي عليه ساعة طويلة وأفاق، فناوله الحسن (ع) قعبا من لبن فشرب منه قليلا،